ما أن تفتح حديثاً مع الكاتبة والمصورة الإماراتية فاطمة الجلاف، حتى تكتشف مدى شغفها بالكتابة الروائية، لدرجة تتساوى فيها مع مستوى عشقها للعدسة، التي لا تكاد تفارق كتفيها، وكذلك حبها لـ”أبو الفنون”، الذي طالما منحته أولوية عالية، لإيمانها بقدرته على طرق قضايا المجتمع، كتلك التي حاولت أن تنظمها بين دفتي روايتها “زمن الهمهمات”، لتفتح من خلالها العيون على قضية مجهولي النسب، ولتعاين بخيوط درامية، هموماً إنسانية، ظلت على الدوام تشكل هاجسها في استقصاء الواقع وكشف ما يخفيه عنا.
تجربة ثرية تمتلكها الجلاف، ليس على مستوى الكتابة الأدبية فقط، فخيوطها تمتد نحو الإعلام، والمسرح، والتصوير، وغيرها، والتي مثلت جميعها روافد، روت من خلالها فاطمة شغفها الأدبي، في وقت تستعد فيه حالياً لتحويل صور معرضها الأخير (10) إلى عمل أدبي، تلعب فيه الأماكن التي التقطتها دور البطولة، لا سيما وأنها توثق من خلالها 10 سنوات لبعض الأماكن الموزعة في أرجاء إمارة رأس الخيمة.
القراءة رافد للكتابة
“مجموعة خواطر مترابطة، حول فتاة تبحث عن هويتها، وأسباب وجودها، وذلك من خلال همهمات متواصلة، وصولاً إلى الحقيقة المرة في نهاية الأمر”، بهذا التعبير، حاولت فاطمة الجلاف، أن تلخض فحوى روايتها الأولى “زمن الهمهمات”، لتؤكد في حديثها، أن “الكتابة الروائية تحتاج إلى الكثير من الصبر”، مشيرة إلى أنها عملت جاهدة من خلال روايتها على استكشاف الواقع، وقالت: “القراءة تشكل رافداً أساسياً للكتابة الأدبية، التي تحتاج إلى لغة وأسلوب خاص، قادر على تمييز كل كاتب عن آخر”.
قبل 4 سنوات تقريباً، رأت “زمن الهمهمات” النور، آنذاك كانت فاطمة، متخوفة من ردة فعل القراء على طبيعة روايتها، التي وصفتها بـ”الجريئة نوعاً ما”. وقالت: “قرار الخوض في الكتابة الأدبية، وإصدار رواية، أمر ليس بالهيّن ابداً، وذلك لعدة أسباب، منها التأكد من امتلاك اللغة الكاملة، والأسلوب الخاص، الذي يعكس هويتي الأدبية، إلى جانب الألمام بتفاصيل القصة ليتمكن الكاتب من الوصول إلى الحبكة الكاملة، ومن ثم التدرج نحو النهاية شيئا فشيئاً، إلى جانب ذلك، الكتابة الروائية تحتاج إلى خلق شخوص واضحة المعالم، يكون لها هويتها وملامحها التي تميز كل واحد منها عن الآخر، ولذلك يمكنني اعتبار أن الكتابة الروائية أشبه بعملية المسك بالعصا من النصف”.
عمل يحتاج جودة عالية
تدرك فاطمة الجلاف أن الكتابة الأدبية تحتاج إلى جودة عالية. وقالت: “في الروايات يظل مستوى الجودة، خاصة فيما يتعلق باللغة، هو الفيصل، وبالنسبة لي دائماً أفضل أن تكون اللغة متماسكة، وأن تكون حافظة لنفسها، خاصة في التجارب الأولى، وذلك لأنها هي التي ستقدم الكاتب إلى جمهور القراء، والذين سيشكلون في نهاية الأمر الحكم حول التجربة، وهم الذين سيحددون مدى نجاحها أو فشلها”. وأردفت: “لا أنكر أنني كنت متخوفة في تجربتي الأولى، كونها تشكل النافذة الأولى التي سيطل منها القارئ على عالمي الخاص، وسأكون خلالها خاضعة لمجهر النقد، بطرفيه الإيجابي والسلبي، وهي التي ستحدد مدى جاهزيتي ونضج تجربتي، وهو ما بدأت باكتشافه من خلال ردود الأفعال الأولى حول روايتي، والتي استطاعت لاحقاً أن تتصدر قائمة الأكثر مبيعاً لدى دار النشر، وكذلك قنوات التواصل الاجتماعي التي رصدت الرواية”.
تؤكد فاطمة أنها لم تكن تريد الاستعجال في إصدارها الأول. وقالت: “صبرت كثيراً على إصداري الأول، ولم أكن أريد له أن يرى النور، مشوهاً، وإنما سعيت لأن أقدم تجربة أدبية كاملة العناصر، لأنها وبتقديري ستكون الفيصل في قرار مواصلة الكتابة أم التوقف عند هذا الحد”. وأشارت إلى أن “الكتابة الأدبية، لا تشبه أبداً غيرها، فهي، حسب تعبير فاطمة، تحتاج إلى مخزون كبير من المفردات اللغوية، التي يمكن لها أن تساهم في بناء نص أدبي، بمستوى جودة عالية، إلى جانب أن الكتابة الأدبية تحتاج إلى خبرة في الحياة. وقالت: “استقيت أحداث روايتي من الواقع، والذي أعتقد أنه أفضل مصدر ملهم لأي كاتب”.