غايل فورمان صحفية حائزة على العديد من الجوائز، صنفتها مجلة نيويورك تايمز في المرتبة الأولى كأكثر مؤلفة مبيعاً لكتب الأطفال واليافعين، وبدأت فورمان حياتها المهنية كمراسلة لدى صحيفة “سيفنتين” (سبعة عشر)، ونجحت بإثبات نفسها من خلال التركيز على الشباب الصغار والعدالة الاجتماعية، إذ غطت العديد من القضايا المحورية المتعلقة بالأطفال واليافعين حول العالم، كتجنيد الأطفال في الحرب الأهلية بسيراليون، وظروف عمّال المزارع المهاجرين من المراهقين في الولايات المتحدة.
وفي عام 2002، خصصت فورمان عاماً كاملاً للسفر حول العالم برفقة زوجها، ونشرت كتاباً بعنوان “لا يمكنك الوصول إلى هناك من هنا: عامٌ من السفر في عالمٍ آخذٍ بالانكماش” تناولت فيه تلك التجربة، لتركز بعد ذلك على مجال الكتابة الخيالية، بعد عودتها إلى بلادها.
نشرت فورمان في عام 2009، أول رواية لها بعنوان “إذا بقيْتُ”، تلتها رواية “مكان ذهابها”، وتصدرت هاتان الروايتان قائمة أكثر الروايات مبيعاً حسب مجلة نيويورك تايمز لمدة عام كامل، وبعد عامين، نشرت سلسلتها الأكثر مبيعاً “يوم واحد فقط”، و”عام واحد فقط”، تلتهما بالرواية القصيرة “ليلة واحدة فقط”.
ونشرت فورمان مؤخراً “كنتُ هنا”؛ مؤلفها الذي سرعان ما أصبح من أكثر الكتب مبيعاً، بالإضافة إلى نشرها أول رواية موجهة للبالغين بعنوان “اتركني”، وفي عام 2014، اعتُمدت رواية “إذا بقيْتُ” لتتحول إلى فيلم سينمائي من بطولة كلويه غريس موريتز، كما تُرجمت أعمال غايل فورمان الخيالية إلى أكثر من 40 لغة.
“ناشر”، التقى الكاتبة والصحفية غايل فورمان خلال مهرجان الشارقة القرائي للطفل، وأجرى معها الحوار التالي:
ما هي الفكرة التي ألهمتكِ لكتابة رواية “إذا بقيْتُ”؟
تُجسّد الرواية قصة حقيقية جرت أحداثها قبل أن أبدأ بكتابة الروايات بعدة أعوام، عندما كنت لا أزال أمارس مهنتي كصحفية، وهي قصة عائلة كنت أعرفها معرفة شخصية، وتربطني بها علاقة قوية، عائلة تتألف من أب وأم وأطفالهما، كالعائلة التي تدور أحداث الرواية حولها، وكان الوالدان من أفضل أصدقائنا، إذ كنت عرّابة أبنائهم، فكانوا أبنائي بالمعمودية، وكانت تلك العائلة تعيش في ولاية “أوريغون”، على الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، التي يندر أن تتساقط فيها الثلوج، وفي أحد الأيام، أثلجت بغزارة، وقررت العائلة الذهاب لنزهة بالسيارة بعد أن تم إلغاء الدوام الرسمي في المدارس.
وفي تلك الليلة، عندما عدت إلى المنزل، وجدت رسالة صوتية على جهاز الهاتف الآلي، مفادها أن جميع أفراد العائلة قضوا نحبهم إثر حادثٍ أليم… كان خبراً مأساوياً يفطر القلب، لكن الجزء الأصعب بالنسبة لي شخصياً كان عندما علمت أن الطفل الذي يبلغ الثامنة من العمر، والذي كنت قريبة منه جداً، نُقل إلى مركز لعلاج الإصابات، ووافته المنية هناك.
أثّرت تلك القصة بي بشكل كبير، رؤية ذلك الطفل الصغير لوحده، بعد أن مات جميع أفراد عائلته، تساءلت هل كان الطفل يعلم أنهم ماتوا، وبالتالي اختار اللحاق بهم؟ إنه أحد الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عنها، ولهذا لم أفكر بالكتابة عن الحادثة، فلم أفكر بتناول الموضوع من تلك الزاوية.
واستيقظت في صباح أحد الأيام، بعد ستة أو سبعة أعوام، وهناك فتاة في مخيلتي، فتاة ذات شعر داكن، وعيون داكنة، وتعزف آلة التشيلو، وكان ذلك شيئاً جديداً، لأني لا أملك أي خلفية عن آلة التشيلو، ولا عن الموسيقى الكلاسيكية بشكل عام، وعرفت أن تلك الفتاة ستجيب على ذلك السؤال: ما كانت ستفعل لو حلّت تلك المصيبة بعائلتها؟ هل كنت ستختار البقاء أم الذهاب؟ بدأت الكتابة، وإذ بالأفكار تتدفق بغزارة، كما لو كنتُ أحاول الإجابة عن ذاك السؤال بشكل لا شعوري طيلة كل تلك الأعوام، وهذه هي قصة كتاب “إذا بقيْتُ”.
كيف شعرتِ بعد تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي، وهل تظنين أن الفيلم أنصف الكتاب؟
نعم، لقد أنصف الفيلم الكتاب، وعلى الرغم من بعض التغييرات الهادفة إلى تحقيق سهولة الانتقال من الرواية كعمل أدبي، إلى فيلم سينمائي يتضمن المؤثرات الصوتية والبصرية، تم تصوير بعض أجزاء الرواية كما هي، دون أي تغيير يُذكر.
أعتقد أن الفيلم نجح بتحقيق التجربة العاطفية التي تخوضها أثناء قراءة الكتاب، فالمُشاهد يشعر بالحب الذي تُكنّه “ميا” تجاه عائلتها، وصديقها “كيم”، ويشعر بصدامها مع “آدم”، حتى أن الفيلم حقق ما لم يحققه الكتاب من خلال الموسيقى، فلا يمكنك أن تفعل الكثير لتصوير التشيلو وعذوبة موسيقاه من خلال الكتابة على الورق! أعتقد أن الفيلم كان رائعاً بتسليط الضوء على أهمية الموسيقى في حياة الشخصيات، فلا يمكن للمشاهد إلّا أن يستمتع بمشهد “ميا” أثناء قيامها بتجربة الأداء، وكيف عزفت أثناء التجربة بطريقة لا مثيل لها، كما يمكن للمُشاهد رؤية التحوّل في أداء “آدم” عندما يعزف مع فرقته، ولهذا أعتقد أن فريق عمل الفيلم نجح بإنصاف الكتاب.
ما رأيكِ بفكرة تحويل الكتب إلى أفلام بشكل عام؟ وما هي العناصر الرئيسة التي تسمح للفيلم بالنجاح وبإنصاف الكتاب؟
يمكن للكتاب أن يتحول إلى فيلم رائع أحياناً، وفي أحيان أخرى لا ينبغي أن يتحول الكتاب – على الرغم من روعته الأدبية – إلى فيلم أبداً، فأن يكون الكتاب رائعاً، لا يعني بالضرورة وجوب تحويله إلى فيلم، أولاً وأخيراً، يجب أن ينجح الفيلم بتصوير التجربة العاطفية للكتاب بشكل واضح، فإن لم يستطع المشاهد الإحساس بها، سيشعر بالملل والإحباط.
وأعتقد أن الممثلين الموهوبين يلعبون دوراً بارزاً أيضاً، وكما تعلمون، يُنجز الفيلم أربع مرات مختلفة، مرة أثناء النص السينمائي (السيناريو)، ثم أثناء اختيار الممثلين، وبعدها أثناء التصوير، وأخيراً أثناء التحرير (المونتاج).
تُرجمت رواياتكِ إلى أكثر من 40 لغة، فهل تُغيِّر الترجمة إلى لغات أخرى معاني الروايات؟ وهل تظنين أن اختلاف الثقافة يلعب دوراً في تفسير الروايات وتقييمها؟
بالتأكيد! لا يمكنني أن أحكم على جودة الترجمة، وأتساءل دائماً عن سبب نجاح الكتاب في دولة معينة دون غيرها، هل جودة الترجمة هي السبب؟ أم لأن الكتاب نجح بالارتباط مع هذا المكان ثقافياً، ولم ينجح بتحقق ذلك في مكان آخر؟ أظن أن الترجمة تشبه إعادة كتابة الرواية مرة أخرى، لأنك لا تستطيع ترجمة كلمة بكلمة حرفياً، بل يجب أن تجد صوراً جديدة، وطرقاً جديدة للوصف، وبنفس الوقت الوسائل اللازمة لترجمة التجربة العاطفية بشكل ناجح، فترجمة الرواية تماثل تقريباً تحويلها إلى فيلم.
سافرتِ إلى أكثر من 60 دولةً، فهل كانت هذه الأسفار لغرض الكتابة عن رحلاتكِ، أم أن السفر يلهمكِ لكتابة روايات رائعة كرواية “لا يمكنك الوصول إلى هناك من هنا: عامٌ من السفر في عالم آخذ بالانكماش”؟
كلاهما! سافرت كثيراً في شبابي، وخصصت ثلاثة أعوام للسفر قبل ذهابي إلى الجامعة، وعندما كنت أعيش في مدينة نيويورك وأمارس عملي كصحفية، كنت أذهب في رحلات مختلفة إلى مكان ما، تستمر لمدة شهر كامل أحياناً، وأُنجز تقاريراً عن مجموعة من الأشياء المختلفة، ثم أعود إلى البيت.
أراد زوجي السفر أكثر من ذلك، وأخبرني عن رغبته بالحصول على إجازة طويلة من العمل للسفر لمدة عام كامل، لكنني لم أرغب أن أفعل ذلك، لأنني كنت أحب عملي كصحفية مستقلة، ثم أدركت لاحقاً أنني أستطيع اغتنام الفرصة وكتابة رواية أثناء السفر، وكان ذلك أحد التجارب التي احب خوضها، لكن التردد والشكوك تنتابك حيال النتيجة، ولن تعرفها ما لم تقم بالتجربة، ولم أكتشف روعتها إلا بعد أن جربتُها! حيث أعطى هذا الكتاب بعداً آخر للسفر، ومنحني مهمة أكبر من مجرد رؤية المناظر والمشاهد.
من أجمل مزايا الصحافة أن تجد نفسك في عالم ما، لم ولن يخطر ببالك أن تجد نفسك فيه أبداً، فعلى سبيل المثال، وجدت نفسي في مملكة تونغا في قلب المحيط الهادئ مع مجموعة من الأشخاص يسبقون جميع الأشخاص الذين عرفتهم، فيما يتعلق بأفكارهم حول النوع الاجتماعي (الجنسين) والمجتمع، وفي مرة أخرى، وجدت نفسي في زنجبار برفقة فناني الـ”هيب هوب”، وهو ما لم أكن أتوقعه يوماً، لولا كتابة الرواية.
دوّنتُ العديد من الملاحظات، وعندما عدتُ إلى البيت، ألّفتُ الكتاب، أعتقد أن الكتب يجب أن تكون مرايا ونوافذاً تعكس وتُطلّ على أنواع مختلفة من المجتمعات والأفراد، وعلى أجزاء مختلفة من العالم.
ما هي الميزات الخاصة التي وجدتِها في مهرجان الشارقة القرائي للطفل في دورته التاسعة؟
يُسعدني رؤية هذا الإقبال الكبير على مهرجانٍ قرائي للطفل تُنظمه هيئةٌ حكومية، فعلى الرغم من كثرة مهرجانات الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية، يتولى المؤلفون، أو المجتمعات المدنية، مهمة تنظيم الجزء الأكبر منها، أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فشاهدت العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية المخصصة للأطفال، التي تُنظمها جهاتٌ حكومية في الدولة، وما يزيدها جمالاً وروعة، رؤية إقبال العائلات الكبير عليها.
ويسعدني أيضاً أن أرى الأطفال واليافعين العرب يستمتعون بالقراءة، وبدرايتهم باللغات الأجنبية، ومتابعتهم للروايات المكتوبة باللغة الإنكليزية، فعندما تلقيت الدعوة لحضور المهرجان، تفاجأتُ وتساءلت كثيراً هل يعرفوني؟ وهل يقرأون كتبي؟ لا يسعني التعبير عن مدى سعادتي بتلقي الدعوة لحضور مهرجان الشارقة القرائي للطفل، وبلقاء جميع الأطفال.