يشتهر الروائي السوداني المصري النمساوي طارق الطيّب بجملة “المال للناشر والمحبة للكاتب”، إذ يرى أن الناشر لو لم يكسب من حِرفته لترك المهنة أو لأفلس وخرج من السوق، في حين أن قلة من الكُتّاب تحقق عائداً حقيقياً. روايتاه “”بيت النخيل” و”الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا” في طريقهما إلى الشاشة الكبيرة. وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه “ناشر” معه…
- في رواية “بيت النخيل” عبّرت عن قهر الاغتراب ورحيل البطل إلى النمسا، فهل شخصية البطل تمثلك؟
سيرتي الذاتية الواقعية موجودة في الجزء الأول من كتاب “محطات من السيرة الذاتية” الصادر عام 2012. أعتقد أن كل كاتب يأخذ قبساً من حياته الشخصية، ربما الخاصة جداً أو التي يعرفها في محيطه القريب أو من خلال اطلاعه العميق على الثقافات بشكل عام؛ لينسج عمله الروائي بالطريقة التي تحقق متعة للقارئ وتخلق وعياً جديداً له. هناك مقاطع كثيرة من سيرة حمزة في “بيت النخيل” تمثلني ذهنياً وإنسانياً، وثمة تقاطعات حقيقية في الرواية من سيرة وتجربة طارق الطيّب الحقيقية في فيينا تحديداً.
- هل تستند على تجربتك الشخصية لمزج الواقع والخيال؟
بكل تأكيد. لا بد من الاتكاء على التجربة الشخصية النابعة من الوعي بالثقافة المحيطة والثقافات الأبعد التي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية. دوري هو صوغ التجربة الشخصية في سؤال أو أسئلة فنية ورفعها من الواقع إلى الخيال الفني، هذا المزج يضع قدم القارئ معي على الأرض لأحلّق معه نحو السماء. ليست كل تجربة شخصية فردية صغيرة بإمكانها أن تبتدع في كل الأحوال أدباً قوياً دون تعضيد الفن كمعرفة حتمية.
- أعلنت مؤخراً عن سرقة أو تشويه روايتك “الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا” في بداية هذا العام؟ فهل اتخذت أنت والناشر، دار العين، الإجراءات القانونية ضد سارقيها؟
لم تكن سرقة بل هي محاولة أسوأ لم أسمع عنها من قبل، فقد كتبوا رواية أخرى ركيكة للغاية ووضعوا عليها عنوان روايتي “الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا” واسمي، ورفعوها كملف PDF للتنزيل على الإنترنت. هذا عمل خبيث وشرير للغاية، والقصد منه هو التشويه وليس السرقة. للأسف لم تتخذ دار النشـر أي إجراء قانوني أو حتى استقصائي للأمر، وكنت أظن وآمل أن المسألة ستقلق الدار الناشرة أكثر من قلق الكاتب لاتخاذ خطوات حازمة وضرورية.
- لماذا نصحت الشباب بجملة “المال للناشر والمحبة للكاتب.. الناشر يعيش من النشر والكاتب يعيش من عمل آخر”، ألا تراها إحباطاً للشباب؟
سأكرر جملتي ولا أتنازل عنها. الحال ليس محبطاً من قولي. الإحباط يأتي من الفاعل وليس من الشاهد! فلو أن الناشر لا يكسب من النشـر لترك المهنة أو لأفلس وخرج من السوق. قلة قليلة من الكُتّاب تحصل على عائد حقيقي صادق من بيع كتبها، وإلا فلماذا يعمل أكثر من 90% من الكُتّاب في مجالات مختلفة للحصول على دخل أساسي يغطي تكلفة الحياة؟ كثير من الكُتّاب يدفعون أموالاً إلى دور النشـر من أجل إصدار كتبهم وهذا أمر لن ينكره الصادقون؛ وكثير من الكُتّاب لا عقود لهم؛ ومعظمهم تغيب عنهم الشفافية أمام الناشر في معرفة مصير الكتاب بعد النشر.
- قلت إن رواية “بيت النخيل” قد يتم تحويلها إلى فيلم، فهل سيبدأ التصوير قريباً وهل هناك خطط لتحويل رواياتك الأخرى إلى أفلام؟
الأمر يعود إلى عشـر سنوات تقريباً ويتعلّق في المرحلة الأولى والأهم بتحويل الرواية إلى سيناريو جيّد، وثانياً التمويل الكافي للفيلم، حيث لا يمكن تصويره في استوديوهات، فالمكان الخارجي للرواية يتنقّل بين السودان ومصـر والنمسا أساساً، ثم إيطاليا وهولندا بشكل جزئي يمكن الاستعاضة عنهما بمكان مشابه لقلة المشاهد.
أيضاً رواية “الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا” لاقت قبولاً كبيراً للتحويل إلى فيلم سينمائي، يتشابه في تنفيذه بما قيل عن رواية “بيت النخيل” وإن كان المكان محصوراً بين عاصمتين فقط هما القاهرة وفيينا.
- كيف أثر عيشك في الغرب وعزلتك عن مجتمعك الأصلي في كتاباتك؟
الغرب مثّل لي ثقافة جديدة بكل ما فيها من لغة وعادات وتقاليد وتراث وتاريخ وجغرافيا واختلافات ومتشابهات. أدركت من يومي الأول أنني أنا الغريب هنا وليسوا هم، وأن مشواري طويل لمحاولة فهم هذا العالم الجديد بدءاً من لغته الألمانية وثقافته الثرية في الفنون والعلوم. من ناحية الدعم العلمي، وفرته النمسا لي كأفضل ما يكون، ومن ناحية الدعم الأدبي والثقافي أيضاً كان عظيماً وما زال؛ فأنا كاتب نمساوي أيضاً بعد ما يقرب من أربعين عاماً هنا، ومثّلت النمسا في أكثر من 35 محفلاً دولياً دون أن أخفي أصولي السودانية أو نشأتي وارتباطي الأصيل بمصر.
أما كلمة “عزلة” هنا فهي كلمة خاطئة في القياس والسياق. هناك بُعد مكاني يتمثل في المسافة الجغرافية الكبيرة، ولكنه لا يلغي الوجداني ولا الارتباط بالإنساني بشكل أرحب.