رغم إيمانه بمقولة “الأدب لا يُطعم خبزاً”، توجه الفنان والخطاط العراقي شهاب الكعبي، ابن مدينة البصرة، إلى الأدب بكل أنواعه وانتقل من الخط إلى التأليف ليقتحم هذا المجال من أوسع أبوابه وليعبّر عما في خلجات نفسه ويسطره على الورق، تارة عبر الشعر وأخرى عبر القصص والروايات إضافة إلى السيناريوهات السينمائية والتلفزيونية حتى وصل رصيده إلى 32 مؤلفاً. “ناشر” أجرى معه الحوار التالي…
لو تجوّلنا بين عناوين مؤلفاتك من شعر وروايات ومجموعات قصصية مثل “وجع الرمال”، و”مرسى الأنين”، وتعلّمت على الفراق”.. نجدها بين الألم والشجن والآهات.. لماذا؟
الإنسان ابن بيئته وبلدي العراق لا يخفى على أحد من الناس أنواع المصائب التي حلّت على أهله، وكثرة دموعهم التي ذرفت على مر السنين الخوالي. وأغلب ما كتبت هو تعبير عن شعوري بالقهر والظلم على مدى هذه السنين، وكانت صرختي بوجه من ظلمني وآذاني وظلم أهلي وشعب العراق عمومًا، فلابد أن تكون العناوين تشبه المضمون، فجيلي عاش حرباً ضروساً لمدّة ثماني سنوات ثم حصاراً لنحو ثلاث عشرة سنة، ثم أكملت حياتي بالغربة، فماذا تريد الأوراق أن أكتب عليها بعد كل هذه المآسي من مضامين أو عناوين؟
عادةً نجد أي أديب متخصصاً في مجال واحد بينما نجدك متنوعاً جداً وشاملاً.. لماذا لم تسلك طريق الآخرين؟ وما الدوافع لذلك؟
آلامي لا تحملها قصيدة ولا قصة ولا رواية ولا مسلسل، وكلما ملأت جرار حزن جاءني جرارٌ أكبر منه! أحببت أنْ تكون أمامي خيارات متعددة لأبث بها آهاتي وأحزاني. مأساة حرب الكويت هل تتلخص بقصيدة؟ أو غربتي وهجرة العراق هل تكفيها قصة قصيرة؟! والتي كتبتها في روايتي الأخيرة “الشارقة حبيبتي”، كما كتبت مسلسلاً اسمه “قلبي عراقي ذهب” تحدثت فيه عن لُحمة العراقيين وقلبهم الذهب في مواجهة الطائفية التي زرعها أعداء العراق لينالوا مأربهم من تمزقه.. والحمد لله أشبعت رغبتي في تناول المواضيع التي تصارعت في فكري طويلاً قبل أن أبثها على الورق وأرتاح منها.
في روايتك الأخيرة “حوبة الكويت” للوهلة الأولى يتبادر للذهن الشماتة.. ما تعليقك على ذلك؟
في البدء أضرب مثلاً بسيطًا للتوضيح: عندما يعذب طفل عصفورًا، ونريد أنْ ننصحه فنذكّره دائماً عند عثراته ونقول له: هذه حوبة أو ذنب العصفور لينتبه ولا يعيدها.. يعني نحن الشعب أكلنا صخرًا بالخبز وحصاراً ثلاث عشرة سنة وبعنا حتى ملابسنا التي نلبسها وبقينا على جلدنا نركض كالمجانين، وحرام أن نقول: هذه “حوبة الكويت”! وقد خسرت أصدقاءً كثر بسبب الرواية، ولكن هذا لا يهم أمام المبادئ، وأنصح المخاصمين أنْ يقرؤوها جيداً وسيتفاجؤن بأنني أحب العراق وهم يحبون ثلّة من الناس، وبالمناسبة أتمنى أنْ تدخل الرواية مسابقة البوكر العربية فإنّ فيها فنتازيا وفيها دموع شعبين عربيين وفيها أدب وشهادتي بها مجروحة.
أليس من الغريب أن تُكتب رواية “حوبة الكويت” من قِبل كاتب وأديب عراقي؟
أنا كتبت باسم الشعب العراقي، كما لو كنت أقف أيام ثورة أكتوبر في ساحة التحرير وأصعد فوق جبل وأرفع علم العراق وألوّح به، وكل منْ تكلّم عنّي وعن روايتي العراقية البحته بسوء فهو يقف بالجهة الثانية من جسر الجمهورية، فالعراق ملك الشعب وأنا واحدًا منهم وصوت لهم. إنّ أكبر آفة مرّت على بلدي هي دخول الكويت.. أنصح المتأثرين بالاسم بقراءة روايتي فهي صرخة الشعب أمام المسؤولين الذين لن يحسبوا حسبتهم صحيحًا وصرنا وصاروا لأسوأ حال، وحيث هجرت بلدي منذ أكثر من عقدين ولم أرجع له وملاييناً مثلي بعد هذا.. فكيف لا أكتب عن دماري ودمار شعبي.
أصبحت مؤخراً تكتب سيناريوهات لأفلام ومسلسلات ما سبب خوضك للكتابة الدرامية؟
حتى أشبع نهمي بالكتابة وأتحدى نفسي، فأنا لا أكتفي بنمط واحد، فكتابة السيناريو أضافت لي الحس الطويل بالتعامل مع أبطالي والعيش معهم مدّة أطول في ثلاثين حلقة، فهي أحداث شبيهة بالواقع، الأبطال يتكلّمون كلامًا عاديًّا مع إضافات بسيطة لجماليات بعض الحوارات، وبصراحة الحوار الشيّق هو الذي يجبر الأبطال ليظهروا أحسن ما عندهم ويتميّزوا بالتمثيل، ثم حفظ النص ضروري لجودة الحوار، وبعدها قوة المخرج تضاف لإخراج النص بصورة جميلة. لديّ أيضاً فيلمان سينمائيان: “الصندوق العاشر” وهو “آكشن” عراقي و”أمنية عمري” وهو اجتماعي إماراتي، وهناك مسلسل “قلبي العراقي ذهب”.. هذه الأعمال الثلاثة أنتجت وعرضت على الشاشات وكانت لها أصداء طيبة.
هل ستتجه يومًا ما إلى الكوميديا وتبتعد عن الدراما والتراجيديا؟
اقترح عليّ بعض الأصدقاء كتابة مسلسل كوميدي لأنّ الناس سئمت من التراجيديا، وفعلّا كتبت مسلسل “أهل السعادة” وأنهيت ثلاثين حلقة منه، وكان هذا العمل مكملًا لفيلم “صويلح في دبي” الذي أعجب كثيرًا من المخرجين وأهل الاختصاص ولكنهم لم يبادروا إلى إنتاجه حتى الآن. وأنتظر تسويق المسلسل، وهو خليجي وفيه ضحك متواصل وأتمنى أن ينال حظه من الإنتاج.