في قلب العاصمة العراقية بغداد، يتألق شارع المتنبي كواحد من أبرز المعالم الثقافية والتاريخية في المنطقة. يعد الشارع ملتقىً للعلم والأدب، حيث تتجسّد روح الفكر والأصالة في كل زاوية من زواياه المتعرجة. بما يحمله الشارع من قيمة حضارية؛ وبما يحتضنه من مجموعة واسعة من المكتبات التي تحوي مخطوطات وكتب نادرة.. يجذب الشارع الكتّاب، والقرّاء، والباحثين عن العلم والمعرفة من بغداد وخارجها.
تاريخ من ورق!
ينسج شارع المتنبي – الملقب بأيقونة بغداد الثقافية – قصة تاريخية طويلة تمتد عبر العصور، حيث تأسس في أواخر العصر العباسي تحت حكم الخليفة المستعصم بالله، وكان امتدادًا لسوق الوراقين المعروف حاليًا بـ”بسوق السراي”، وكان يُطلق عليه آنذاك اسم “درب زاخا” بالتسمية الآرامية. شهد الشارع تطورًا ملحوظًا كمركزٍ ثقافي بارز، حيث ازدهر بالمؤسسات الثقافية والمدارس الدينية والعلمية، من بينها “مدرسة الأمير سعادة الرسائلي” التي احتضنت علماء وباحثين من جميع أنحاء العالم الإسلامي.
في الوقت الحاضر، يأخذ الشارع اسمه من الشاعر العربي الأشهر أبو الطيب المتنبي، منذ عام 1932، خلال عهد الملك العراقي فيصل الأول، إذ يزيّن نهايته تمثال مهيب للمتنبي؛ مطلاً على ضفاف نهر دجلة شاهداً على تاريخ المكان.
محور ثقافي حيوي
يحتل شارع المتنبي مكانة بارزة في الثقافة العراقية والعربية عموماً، حيث يعتبر مركزاً حيوياً للفكر والأدب والعلم. يجمع الشارع بين التراث العريق والحياة الثقافية الحديثة، ما يجعله نقطة التقاء للكتّاب والشعراء والباحثين من مختلف أنحاء العالم.
تحتضن أروقته مجموعة واسعة من المكتبات والمؤسسات الثقافية، كما يعتبر مكاناً للنقد الأدبي والفني، حيث يستضيف العديد من الفعاليات الثقافية والأدبية مثل المعارض والمحاضرات والمهرجانات الأدبية؛ ما أسهم في إثراء المشهد الثقافي بالعاصمة بغداد وإبراز دور المدينة كمركز ثقافي مهم على الصعيدين المحلي والإقليمي.
عدا عن ذلك، يعد الشارع مكاناً ترفيهياً ذا قيمة عالية، إذ تنسج فيه العائلات العراقية ذكرياتها بين الكتب وتاريخ المكان.
مستقبل في خطر
يشهد شارع المتنبي في بغداد تحديات كبيرة تواجه المكتبات، حيث يشتكي أصحابها من محاولات استيلاء مستمرة عليها من قبل جماعات وعصابات. ويطالب أصحاب المكتبات السلطات المعنية بتوفير الحماية اللازمة، نظرًا لضعفهم وعجزهم عن مواجهة هذه الجماعات بمفردهم.
في خضم هذه المضايقات التي تهدف إلى طمس هوية الشارع الثقافية والتاريخية، يتزايد القلق العام حول مصير الشارع بما يحمله من ثقل تاريخي وإرث حضاري، إذ يمثل مركزًا حضاريًا تاريخيًا ذا أهمية كبيرة في الحفاظ على التراث الثقافي والأدبي للمدينة؛ بجذوره التي تعود إلى العصور الإسلامية الذهبية. إذ سيكون لفقدان شارع المتنبي – كمركز ثقافي بارز – تأثيرٌ سلبيٌ على الهوية الثقافية لمدينة بغداد؛ وعلى الساحة الثقافية العربية بشكل عام؛ ومن هنا يستدعي الوضع تدخلاً فورياً لحمايته.
شارع المتنبي، بوابة التاريخ والثقافة العريقة في بغداد، يتعرّض اليوم إلى تحديات تهدد جوهره الحضاري؛ مع تزايد التهديدات والابتزازات التي تواجه أصحاب المكتبات، يتزايد القلق حول مستقبل هذا الشارع الذي يعد رمزًا للهوية الثقافية في العراق والعالم العربي.