يرى البروفيسور آش أمين، الحائز على وسام الإمبراطورية البريطانية وأستاذ الجغرافيا في جامعة كامبريدج وسكرتير الشؤون الخارجية للأكاديمية البريطانية في لندن، أن للكتب دورًا بالغ الأهمية في تحقيق التفاهم العالمي، وهو الموضوع الذي أفرد له حديثًا خاصًا في مقابلة موسعة مع “ناشر” بمناسبة الإعلان عن تلقي المشاركات للتنافس على جائزة نايف الروضان للتفاهم الثقافي العالمي لهذا العام بقيمة 25,000 جنيه إسترليني.
البروفيسور أمين، الذي يتوسط الصورة أعلاه ، مع زملائه أعضاء لجنة التحكيم (من اليسار إلى اليمين: رانا ميتر، ومادلين بانتينج ، وهنريتا مور، والبروفيسور باتريك رايت) متخصص في “جغرافية الحياة المعاصرة”، وفي هذا الحوار يؤكد على إيمانه الراسخ بأهمية التفاهم الثقافي ودور الكتب في إرسائه.
ما مدى أهمية التفاهم الثقافي اليوم؟
لا شك في أن له أهمية بالغة. إننا نشهد زوال الكوسموبوليتية الليبرالية في جميع أنحاء العالم، والتي تفترض أن الاتصال والحوار بين الثقافات أمر جيد، بل وتهدف أحيانًا إلى إزالة كل أشكال الهوية الثقافية والانتماء. لكن واقع الحال هو أن عصرنا الحالي بات يتسم بنوع من التباعد الثقافي والريبة، لا سيما مع ميل الشعوب إلى الانكفاء أكثر وأكثر على الجذور الثقافية القومية والعرقية. والنتيجة هي ترسيخ فكرة “نحن وهم”، وهو أمر لا يشجع على السلام والوئام.
ما دور الكتب في تعزيز هذا التفاهم؟
تكمن أهمية الكتب في قدرتها على إثارة الخيال وتحفيز العواطف من خلال القصص والمشاعر والحجج والأدلة بطرق مقنعة، فهي تأخذنا إلى فضاءات جديدة وتفتح لنا آفاقاً ومسارات غير مألوفة. وحدها الكتب تتيح لنا تجربة حياة أخرى في عالم من الخيال، وأحيانًا تؤثر بعمق على إحساسنا بالذات والآخر، فهي عبارة عن نوافذ لعوالم أخرى. وفي ظل المشهد السياسي الراهن والواقع الثقافي المتردي اللذان يسهمان في زيادة التعصب المجتمعي والقومي والثقافي، يبرز دور الكتب على نحو متزايد في تعزيز التفاهم الثقافي. وتفخر الأكاديمية البريطانية بشدة بأن تكون داعمة للكتب التي تلقي الضوء على التفاهم الثقافي العالمي من خلال جائزة نايف الروضان.
هل تعتقد أن هناك صداماً بين مفهوم “دولة القومية” وشركات التكنولوجيا التي لا حدود لها؟
أعتقد أن دور شركات التكنولوجيا يتسم بالازدواجية، فهو عالمي بقدر مصلحته ورغبته في إنشاء سوق واحدة وقاعدة ثقافية واحدة للاستفادة منها، ولكن في الوقت ذاته، تعمل الشركات مع الدول بطرق تنافسية وانتقائية جدًا. فهي منفتحة ثقافياً ولكنها انتقائية من الناحية العملية، وغالباً ما تعتمد الدول على التحيّز لفكرة “القومية”، وفي المقابل نجد أن الشركات تميل إلى التخلي عن فكرة الدولة القومية، بقدر رغبتها في العمل على المستوى العالمي، وغالباً ما تكون ضد القومية العرقية، كما نشهد في الولايات المتحدة وبريطانيا في ظل “البريكسيت”.
كيف ترى الخطابات القومية التي تخرج من بعض البلدان – وهل يمكن للكتب أن تؤثر عليها أو تتصدى لها؟
هذه الخطابات القومية تثير القلق والرعب لديّ. ولا أختلف في أهمية أن يكون لدى الإنسان مشاعر قوية تجاه الوطن، لكنني في ذات الوقت أرى أن القومية الكارهة للأجانب خطيرة، سواء بالنسبة للأجنبي أو للأمة نفسها، لأنها تقوض الامتزاج والاتصال والتبادل الثقافي، وتحد من التعددية اليومية في المجتمع وتجعله حبيس إطار ثقافي واحد، لينتهي به المطاف إلى أشكال متعددة من العنصرية التي عادة ما يصاحبها استخدام للقوة والعنف.
ما هي أبرز المواضيع التي لفتت انتباهكم في الأعمال المشاركة العام الماضي؟
كانت هناك مجموعة واسعة من المواضيع المميزة، لكن القائمة المختصرة لعام 2018 شملت ستة كتب فقط تناولت جميعها القضايا المتعلقة بالهوية والثقافة بشكل أو بآخر. وتناولت ثلاثة كتب منها قضايا تمس العالم الإسلامي، فهناك كتاب “التنوير الإسلامي – النضال المعاصر بين الإيمان والعقل” لمؤلفه كريستوفر دي بيليغو؛ وكتاب “البريطانيا: رحلة عبر بريطانيا المسلمة” لمؤلفه جيمس فرغسون؛ وأخيرًا كتاب “طُلب مني المجيء وحدي: رحلتي وراء خطوط الجهاد” للكاتبة الصحافية سعاد مخنت. أيضا شملت القائمة المختصرة كتاب “عصر تيودور الأسود” الذي كشفت فيه ميراندا كوفمان عن السجلات الطويلة المنسية للأفارقة الذين عاشوا في إنجلترا التيودرية؛ وكتاب “دموع رانجي” للدكتورة آن سالموند، والذي تتناول فيه المواجهات المبكرة بين شعب الماوري والأوروبيين.
وفاز بالجائزة لعام 2018 كتاب “الحدود: رحلة إلى حافة أوروبا” للكاتب البلغاري المولد كابكا كسابابوفا الذي لا يستكشف الحدود بين بلغاريا وتركيا واليونان فحسب، بل أيضًا الحدود الفاصلة بين الثقافات.
ما هي أبرز اهتمامات المفكرين اليوم في مجال التفاهم الثقافي العالمي؟
أرى أن التركيز الأساسي اليوم هو إظهار أن الناس والثقافات في جميع أنحاء العالم لديهم الكثير من القواسم المشتركة، وبالتالي يجدر بنا مواصلة الحوار والتبادل الثقافي من أجل تحقيق التفاهم والتسامح، وأن هناك تاريخاً طويلاً من الامتزاج بين الثقافات، وأن معظم الثقافات هي تعددية في الواقع. باختصار، تتمثل المحاولة في إظهار مدى شذوذ أفكار القومية العرقية وكراهية الأجانب عن الطبيعة الإنسانية.
هل تتوقع المزيد من الأعمال في أوروبا هذا العام في ضوء الأحداث التي تشهدها المملكة المتحدة؟
من الصعب الحكم على هذا الأمر، لكني أرغب بشدة في رؤية المزيد من الأعمال، لتتناسب مع الحماسة الصحفية التي شهدناها في العامين الماضيين، وسيكون من الجيد جداً رؤية أعمال غير روائية تطرح قضايا حول أوروبا ومكانها. بشكل عام، نتطلع إلى تلقي مشاركات من الناشرين من كل البلدان التي تتوفر فيها الكتب باللغة الإنجليزية.
هل يمكنك أن تسمي لنا كتابًا له تأثير عميق عليك؟
أعتقد أنه كتاب “جحيم دانتي”، فعندما كنت أدرس اللغة الإيطالية في الجامعة، كان عليّ أن أناضل لاستيعاب ثلاثية دانتي، وانتهى بي الأمر بالوقوع في حبها. معظم الكتابات التقليدية تخبرنا عن اللعنات التي قد نتعرض لها عندما نتخلى عن السلوك الصحيح، على الرغم من أن ما يعتبر “سلوكًا صحيحًا” غير ثابت. أنا أحب هذا الغموض، لأنه يقودنا بعيداً عن التعصب.
ما هو الكتاب الذي توصي به لزعماء اليوم العالميين؟
أي من الكتب العديدة التي تحذر من الحماسة القومية والتفكير غير العقلاني. وأفضل مثال على ذلك هو الكتاب الفائز في العام الماضي بجائزة نايف الرضوان: “على الحدود: رحلة إلى حافة أوروبا” بقلـم كابكا كسابابوفا، حيث يطرح العديد من المواضيع المذكورة التي تطرقنا إليها أعلاه.
تأسست الجائزة في عام 2013 بواسطة الدكتور نايف الروضان، السعودي المولد وخبير العلاقات الدولية وجراح الأعصاب الشهير والباحث في علم المستقبل. تاريخ إغلاق باب المشاركة في المسابقة هو 1 أبريل 2019. ومن أجل التأهل للمشاركة، يشترط أن تكون الكتب غير روائية ومنشورة باللغة الإنجليزية في الفترة ما بين 1 مارس 2018 و31 مارس 2019. ولن تلتفت لجنة التحكيم سوى إلى الكتب التي تستند وتشير إلى مراجع موثقة بدقة بالغة، والتي يتوقع أن تسهم في تعزيز التفاهم والنقاش بين الجمهور بشكل كبير. يمكن للمؤلفين من أي جنسية ومن جميع البلدان المشاركة في المسابقة، شريطة أن يكون العمل المرشح متاحًا باللغة الإنجليزية.