الدستور في معناه وأهميته أكبر من كلمات مسطّرة بين دفتيّ كتاب، إنه الأساس الصلب والقاعدة الأساسية التي قامت عليها الدولة واستمر معها متضمناً منظومة الحقوق والواجبات ومحدداً الصلاحيات والاختصاصات وراسماً الحدود بين السلطات.
“حكاية دستور دولة الإمارات العربية المتحدة”.. كتاب يتحدث فيه مؤلفه د. محمد سالم المزروعي عن أحداث ووقائع عاشتها المنطقة وصولاً إلى قيام دولة الاتحاد، ليروي للقراء حكاية الوطن من خلال دستوره. حول هذا الكتاب كان لـ”ناشر” الحوار التالي مع مؤلفه.
في البداية، كيف جاءت فكرة هذا الكتاب؟ وما هي مصادرك؟
جاءت فكرة الكتاب من تجارب شخصية عديدة كان الدستور حاضراً فيها بشكل شبه دائم سواء على مستوى الفكر أو الممارسة اليومية، فقد تعاملت مع الدستور مدة طويلة من الزمن أثناء عضويتي في المجلس الوطني الاتحادي التي بدأت في يناير عام 1984 ثم تلاها فترة توليت فيها منصب الأمين العام للمجلس الوطني الاتحادي عام 1996 وحتى 2016، لذلك فهو حصيلة خبرة أكثر من ثلاثين عاماً كان خلالها الدستور دائماً بين يديّ وعلى طاولتي وحتى في سيارتي وبيتي بل وأكثر من ذلك هو موجود في هاتفي، وفي جهازي اللوحي، وقبل ذلك هو في ذاكرتي.
هذا التلازم مع الدستور ظل لسنوات عدة معي واستمر خلال قيامي بتدريس مساق “دراسات إماراتية” لطلاب كليات التقنية العليا، ولكني لم أتناول الدستور كمواد أو نصوص لأنه ليس كتاب قانون بل حاولت أن أروي حكاية تصف الأحداث التي جرت في حقب وفترات محددة، بعيداً عن الأسلوب الأكاديمي أو المنهجي، فهو كتاب يتوجه لعامة القراء أو للجمهور غير المتخصص، ويمتاز بالسهولة وسلاسة الطرح لكن في نفس الوقت وثقت به مراحل الدستور ورجعت كذلك إلى أول اتفاقيات عقدتها السلطة البريطانية مع الإمارات عام 1820 وتتبعت بعدها جميع المراحل وصولاً إلى التعديل الدستوري الأخير عام 2009.
ما أبرز المحطات أو النقاط في كتابك؟
في الحقيقة لقد قسمّت الكتاب إلى عدة أقسام أبرزها المرحلة التاريخية ما قبل قيام الاتحاد أو ما تسمى بالمرحلة الأولى حتى بدايات القرن الحادي والعشرين، ثم قسم أهم المؤسسات التي قامت قبل الاتحاد، وبعدها مرحلة الاتحاد التساعي عام 1968، إلى أن جاء الدستور السداسي ما قبل انضمام رأس الخيمة، وبعد ذلك الاتفاقيات التي عقدها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، مع حكام الإمارات، ومن ثم مرحلة الانتقال من الدستور المؤقت إلى الدستور الدائم، وصولاً إلى التعديل الدستوري عام 2003، وانتهاء بالتعديل الدستوري عام 2009.
ما الذي يميز دستور دولة الإمارات عن باقي الدول؟
ما يميز دستور دولة الإمارات العربية المتحدة هو المرونة والقابلية للتطوير والتعديل إذا تطلب الأمر، وخصوصاً أنها دولة اتحادية وليست مركزية، وهذا شيء طبيعي في أي مجتمع بسبب تغير متطلبات الحياة. وبودي الإشارة إلى أن آخر تعديل تم على الدستور كان عام 2009. وينص الجزء العاشر من الدستور بأنه إذا رأى المجلس الأعلى للاتحاد بأن مصالح الاتحاد العليا تتطلب تعديل هذا الدستور، قدم مشروع تعديل دستوري إلى المجلس الوطني للاتحاد، وتكون إجراءات إقرار التعديل الدستوري مماثلة لإجراءات إقرار القانون، كما يشترط لإقرار المجلس الوطني لمشروع التعديل الدستوري موافقة ثلثي الأصوات للأعضاء الحاضرين. ويوقع رئيس الاتحاد باسم المجلس الأعلى، ونيابة عنه، التعديل الدستوري ويصدره.
ماذا يحمل المستقبل لدستور الإمارات؟
نظراً للتغييرات الحاصلة حولنا ليس فقط في دولة الإمارات العربية المتحدة بل في العالم أجمع، يحمل الدستور قابلية التعديل لأنه عمل إنساني في النهاية يحتاج إلى مراجعة دائماً متى اقتضت الضرورة.
ما هي مراكز القوة في دستور الإمارات والتي ذكرتها في كتابك؟
مركز القوة هو الإمارة بحد ذاتها وكما نعلم فإن الدولة تتألف من سبع إمارات، وقد أعطى الدستور كل إمارة خصوصية بما أنها دولة اتحادية وليست مركزية، وبالتالي كل إمارة لها الحق في عملية اتخاذ القرار، ومن بينها الخدمات التي تقدمها لكل مواطن مثل التعليم والصحة والمواصلات وغيرها.
هذا يعني أن دولة الإمارات لها وضع خاص يختلف عن باقي الدول العربية كون نظام الحكم فيها اتحادي فيدرالي، فهناك الحكومة الاتحادية ولها دور محدد، وهناك الحكومات المحلية ولها دور ضمن حدود إمارتها. وبحكم الدستور فإن العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الإمارات تتميز بإعطاء الحكومة المركزية سلطات محددة وترك مساحة من السلطات لكل إمارة على حدة. وتحتفظ كل إمارة بالسيطرة على نفطها وعلى ثروتها المعدنية وعلى بعض مظاهر أمنها الداخلي. وللحكومة الاتحادية الكلمة الأولى في معظم مسائل القانون والحكم، ومسؤوليتها بالدرجة الأولى العلاقات الخارجية والسياسات الدولية والدفاع عن الوطن.
ما أهمية معرفة الناس بالدستور الإماراتي؟
تكمن أهمية الدستور في كونه يوضح للجميع ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، فالدستور هو أهم وثيقة في الدولة وهو منبع القوانين والتشريعات والقوانين والقرارات وعلى الأفراد الإلمام به.
ماذا تقول للأشخاص الذين يظنون أن الدستور مادة صعبة الفهم وتقتصر فقط على القانونيين؟
أعتقد أن هذا الكتاب سينبه الناس إلى أن الدستور ليس بهذه الصعوبة والسرية والتعقيد، بل بالعكس هو شيء طبيعي وقريب من الناس ولا تقتصر قراءته على حملة الماجستير والدكتوراه، إنما أي مواطن باختلاف ثقافته واهتمامه يستطيع تناوله وفهمه مثل ربات البيوت وطلاب المدارس والموظفين وقد تعمدت أسلوب السلاسة والبساطة في طرح أفكاري وتقديم كتاب للعامة وليس للخاصة من الناس.