جاء كتاب الإعلامي المصري عادل حمودة الصادر عن دار الشروق تحت عنوان “ثرثرة أخرى فوق النيل: رحلاتي إلى منابع النهر.. أثيوبيا – أوغندا – السودان”، جاء بعد عشر سنوات كاملة، من انقطاعه عن تأليف الكتب، ذلك أن هموم الصحافة ومشاغلها الكثيرة أبعدته عن عالم التأليف، الذي عزم أخيراً على العودة إليه لتسجيل محطات من طريق رحلاته إلى منابع النيل، وهي رحلات تطلبت التسلّح بكم كبير من المعلومات الجغرافية والتاريخية عن النيل وحكاياته.
يستعرض المؤلف في مستهل كتابه العادات الفرعونية القديمة مع النيل، فقبل خمسة آلاف السنة كان الكهنة يبتهلون إلى النيل بأناشيد بالغة الرقة والرومانسية والروحانية، كما حفروا على جدران المعابد صورة رمسيس الثالث وهو يقدم للنيل تمثال امرأة جميلة كي تكون زوجة له! ومن يومها اعتبر النيل مسؤولية حاكم مصر، فرعوناً أو ملكاً أو رئيساً. ولم يكن وضع مسؤولية النيل في عهدة السلطة العليا لتدليله وتقديسه فقط وإنما لتهذيبه وتنظيفه وتنميته واستغلاله والتحكم فيه. فاختراع الفراعنة لآلة رفع المياه المخصصة لري المزروعات، والمراكب الشراعية، ومقاييس المياه، والتوصل لتقاويم الفصول وكشف حركة النجوم كانت بتكليف من الفرعون، وكان شق الترع، وتنظيف المصارف، وبناء القناطر، وتهذيب الأرض بأمر من الباشا الكبير، من مولانا محمد علي إلى الملك فاروق الأول. أما الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فكان أول من ضبط تمرد النيل، وتحكم فيه، وأزال رهبته، ونزع قدسيته التي فرضها الفراعنة، فبعد بناء السد العالي لم يعد المصريون يخشون غضب النهر أو بخله الصارم أو فيضه الجارف.
وخلال رحلته إلى منابع النيل في أثيوبيا، يسجل عادل حمودة، الكثير من الملاحظات عن هذا البلد، حيث يصف العاصمة أديس أبابا بأنها “جوهرة سياحية تتفجر ترفاً، وسط أكوام من النفايات تتفجر ألماً”، ويقول إن السكان يعيشون في حالة من التسامح الديني، إلى جانب عدم الثقة بالآخرين بسهولة، وهم يميلون للشك فيما يسمعون، ولا يصدقون ما يقال لهم إلا إذا شاهدوه بعيونهم، ويصعب عليهم نسيان الإهانة، وجراحهم لا تندمل يسهولة.
ويختم حمودة كتابه بالتأكيد على حقيقة أن النيل الذي ينبع من عيون الأثيوبيين والأوغنديين يصب في قلوب المصريين، ولذلك ليست صدفة أن أخلاق الشعوب هنا وهناك متشابهة، وربما متطابقة بين أمتين تختلفان في كل شيء ولا يجمعهما سوى النهر.