المؤلف:شهد الراوي
دار النشر: الحكمة، لندن
تعود الكاتبة العراقية الشابة شهد الراوي بروايتها الثانية “فوق جسر الجمهورية” بعد النجاح الذي حققته روايتها الأولى “ساعة بغداد”، والتي أدى إلى تساءل الكثيرين من القراء عن موضوع العمل القادم للراوي ومدى اختلافه عن سابقه.
في “فوق جسر الجمهورية”، يتابع القارئ مشاهد من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والأحداث السابقة له، والتي لم تؤثر على جيل واحد فقط بل على ثلاثة أجيال في آن: الأجداد والآباء والأبناء، وكيف أن موقعًا واحدًا أو بالأحرى جسر الجمهورية في العاصمة بغداد هو المكان الذي يلعب دورًا رئيسيًا في عائلة واحدة على مر العقود.
تبدأ الرواية بالجسر وتنتهي به، وكما أنه يمثل الأمل والتغيير فهو أيضًا مصدر خطر ويأس. بالتفكير في الجسر ومعناه الرمزي بالرواية، ندرك أنه مثلما أن الجسور هي الطريقة التي نعبر بها النهر من جانب إلى آخر دون الكثير من التفكير فيما ينتظرنا، فإنها في الرواية العامل الحاسم في مصير كل شخصية، وكذلك الفاصل بين الجديد والقديم، والحياة والموت.
يتذكر بطل رواية “على جسر الجمهورية” كيف كانت الدبابات الأمريكية تعبر إلى قلب بغداد، ما يشير إلى نهاية العراق التي يعرفها الجميع وبداية الرحلة المجهولة التي كان على الكثير من الناس القيام بها.
مثل معظم مواطني العراق، غادرت البطلة وعائلتها بلدها إلى دولة مجاورة لبدء حياة جديدة، لكنهم يفقدون والدتهم بسبب مرض مميت بعد أقل من شهر. عندها يصاب القارئ مرة أخرى بالذهول من استخدام الرمزية، سواءً كان ذلك مقصودًا أم لا، ففقدان الأم هو فقدان للوطن والأمن والانتماء. يتضح هذا من خلال بطلة الرواية المجهولة الاسم، والتي لا تملك في الكتاب أي إحساس واضح بالانتماء، ليس مع أختها أو والدها أو ابن عمها أو أصدقائها. حتى عندما تحاول الوقوع في الحب، تبدو محاولة فاترة، ما يؤكد أنه ليس لديها أي إحساس بالانتماء إلى شيء.
في “فوق جسر الجمهورية” يتجلّى موضوع الهروب والشوق للماضي في كل مرحلة من مراحلها، حتى قبل مغادرة الأسرة للعراق. هناك شعور باشتياق الأم إلى الماضي عندما تتحدث عن مدرستها، ومن الواضح أن الناس غالبًا ما ينظرون إلى الماضي بنظرة رومانسية، لكن في الرواية حتى الأوقات الجيدة يشوبها الحزن مثل وفاة عمها خلال الحرب الأولى التي عانى منها العراق في ثمانينيات القرن الماضي.
إذا كنت تتابع أعمال شهد الراوي، ستلاحظ أن هناك إحساسًا بالنضج في الرواية، ربما يظهر جلياً في الطريقة التي تُعطى بها جميع الشخصيات مساحة لتكوين رابطة مع القراء، كلها متعددة الأبعاد مع عيوب وصفات جذابة. في الأساس، تمت إضفاء الطابع الإنساني على هذه الشخصيات من خلال صفاتهم المتناقضة، فلا يوجد أحد مثالي، وهذا هو الجانب المشرق في شخصيات الراوي الذي يجعلها لا تنسى للقراء.
تعتبر نهاية الرواية علامة أخرى على تقدم الراوي ونضجها ككاتبة، فهي جريئة ومختلفة، صحيح أنها قد تترك بعض القراء محبطين من النهاية غير المتوقعة ولكنها بالنسبة للآخرين نهاية مناسبة وواقعية لمجتمع مضطرب مثل العراق.
بغض النظر عن جنسيتك أو خلفيتك، فإن “فوق جسر الجمهورية” تشكّل اقتراحاً للقراءة لأي شخص عانى من الخسارة، فهي رحلة قبول للواقع، وفي هذه الرحلة ستلتقي بالعديد من الشخصيات التي تشكّل أفكارك وتطلعاتك في الحياة.