مع تزايد المخاوف البيئية حول نقص الموارد الطبيعية، تعيد الصناعات في جميع أنحاء العالم النظر في ممارساتها، وقطاع النشر ليس استثناءً، حيث يبرز النشر المستدام باعتباره محوراً بالغ الأهمية للناشرين من جميع المستويات، مدفوعاً بالطلب من المستهلكين والمسؤولية الاجتماعية. لذلك، تتطور الصناعة، من المواد الصديقة للبيئة إلى سلاسل التوريد الأكثر خضرة، لتقليل تأثيرها البيئي مع الحفاظ على الجودة والربحية.
أحد أهم التحوّلات التي يقوم بها الناشرون هو التحرّك نحو المواد الصديقة للبيئة. فالعديد من الناشرين يستخدمون الآن ورقاً معاداً تدويره وأحباراً نباتية، ما يقلل من الطلب على لب الخشب والمواد الكيميائية السامة. تضمن الشهادات مثل تلك الصادرة عن مجلس رعاية الغابات أن الورق مصدره الغابات المُدارة بشكل مسؤول، في حين تشجع مبادرة الصحافة الخضراء والبرامج المماثلة الناشرين على تبني ممارسات أكثر استدامة في جميع المجالات. تحدد شركات مثل “بنغوين راندوم هاوس” و”هاشيت” أهدافاً طموحة للاستدامة، مع الالتزام بتقليل البصمة الكربونية والانتقال إلى ورق معاد تدويره بنسبة 100٪ لإصداراتهم.
ويلعب النشر الرقمي دوراً محورياً في الحد من الضغوطات على البيئة. فالكتب الإلكترونية والصوتية تمثل بديلاً بيئياً للكتب المطبوعة، ما يخفض الطلب على الورق والحبر، ويقلل الانبعاثات الناجمة عن التوزيع. ورغم أن التحوّل الرقمي مفيد في كثير من النواحي، إلا أن استهلاك الطاقة من قبل الخوادم ومراكز البيانات التي تدعم الكتب عبر الإنترنت يُشكّل مصدر قلق متزايد، ولذلك يجب على صناعة النشر الموازنة بين هذه الفوائد والتحديات مع تحركها نحو مستقبل أكثر استدامة.
وتعد سلاسل التوريد مجالاً آخر يحرز فيه الناشرون تقدماً. فتقليل الانبعاثات أثناء الإنتاج والتوزيع أمرٌ أساسيٌ، حيث تقوم بعض الشركات بتجربة عمليات طباعة أقصر، ونماذج الطباعة عند الطلب، والإنتاج المحلي للحد من التكلفة البيئية للشحن. لا تعمل هذه الخطوة على تقليل انبعاثات الكربون فحسب، بل تساعد أيضاً في تقليل الإفراط في الإنتاج والنفايات، ما يسهم بشكل أكبر في الاقتصاد الدائري.
وفي حين أن دور النشر الأكبر حجماً لديها الموارد اللازمة لمراعاة الاستدامة بشكل أكبر، تواجه دور النشر الأصغر تحديات عديدة. فالتكاليف المرتبطة بالمواد والشهادات الصديقة للبيئة قد تكون باهظة لها. ومع ذلك، فإن العمل الجماعي، مثل المبادرات والشراكات على مستوى الصناعة، يساعد اللاعبين الأصغر حجماً على دخول النشر الأخضر.
مع استمرار الجهود الرامية إلى تحقيق الاستدامة، تتخذ صناعة النشر خطوات جادة للحد من بصمتها البيئية. وقد يكون الطريق معقداً، ولكن مع الابتكار والتعاون والالتزام، يبدو مستقبل النشر أكثر اخضراراً من أي وقت مضى. كما أصبح القراء جزءاً من هذه الحركة، ويطالبون باختيارات أكثر استدامة في الكتب التي يشترونها ويقرؤونها.