Home 5 مقالات و تقارير 5 المغرب العربي.. سوق عذراء لناشر موسمي

المغرب العربي.. سوق عذراء لناشر موسمي

بواسطة | مايو 4, 2017 | مقالات و تقارير

الجزائر ـ عبد الرزاق بوكبة

يفخر المغرب العربي الكبير، بكونه الفضاء الذي شهد ميلاد أول رواية عرفتها الإنسانية، وهي “الحمار الذهبي” للوكيوس أبوليوس الأمازيغي (125م-180م)، وميلاد ثاني إصدار في القانون للملك الأمازيغي يوبا الثاني (توفي عام 23م) بعد تجربة حمورابي في العراق، وأول تأليف في علم الاجتماع والعمران، من خلال “مقدمة” عبد الرحمن بن خلدون (توفي عام 1406م) ويقول مؤرخون إن المغرب الكبير كان له السبق في إصدار أول رواية عربية، هي “حكاية العشاق في الحب والاشتياق”، التي كتبها في الجزائر مصطفى بن إبراهيم باشا، نهايات القرن التاسع عشر. هذه الولادات السبّاقة في مجال الكتابة، بالإضافة إلى نخبة من المكتبات الرائدة، التي عرفتها مدن مغاربية كثيرة منذ فجر التاريخ، مؤشر على أن علاقة الفضاء المغاربي بالكتاب ذات جذور راسخة منذ عقود طويلة، وليست طارئة أو مفتعلة، غير أنها تطرح في الوقت نفسه هذا السؤال: هل ينسجم هذا الماضي الثري بحقيقة ما هو موجود اليوم؟ يقترب سكان الدول الخمس المُشكِّلة للفضاء المغاربي، وهي ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، من مائة مليون نسمة، أي ما يساوي ثلث المواطنين العرب، 77 بالمئة منهم متعلمون، و70 بالمئة شباب، ويتفوق عدد الطلبة في بعض الدول، مثل الجزائر والمغرب، على عدد سكان العشرات من الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة.

أي أن هناك بيئة خصبة، من حيث المبدأ، للقراءة، وهو ما يُشكّل سوقًا معتبرة في مجال النشر والتوزيع. إحصاءات معارض الكتاب من الملاحظ، ندرة الدراسات والإحصاءات المتعلقة بعدد دور النشر المغاربية وعد العناوين الصادرة سنويًا، ذلك أن كلّ ما يُسجل على مستوى الإيداع القانوني أو الإلزامي للكتب الصادرة حديثاً في المكتبات الوطنية، لا تتوفر بشأنه إحصاءات دقيقة ولا محدثة، كما أن تعتيم قطاع واسع من الناشرين على عدد العناوين التي يبيعونها، لأسباب تتعلّق بحقوق النشر والضرائب المعتمدة، يلعب دورًا في الجهل بملامح قطاع النشر، ويبرمجها على الضبابية وكثرة الاحتمالات. في ظل هذا الواقع، يبقى رصد الإقبال على معارض الكتاب، عارضين مشاركين وجمهورًا زائرًا، خاصة الدولية منها، في العواصم المغاربية المنخرطة في هذا التقليد، مثل الدار البيضاء وتونس العاصمة والجزائر العاصمة، النافذة الأكثر منطقياً في هذا الباب.بحسب الموقع الرسمي لـ”صالون الجزائر الدولي للكتاب”، فإن عدد الناشرين المشاركين في الدورة العشرين، عام 2015، بلغ 910 دور نشر، من 53 دولة، منها 290 داراً جزائرية، وسجلت الأيام الأخيرة من الدورة 126700 زائر، من مختلف الأعمار والشرائح. وفي المغرب، بلغ “المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء” دورته الثانية والعشرين عام 2016، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة ضيف الشرف فيها، وبلغ عدد زواره 370.000 زائر، بمشاركة 686 ناشرًا قدموا من 44 دولة، عارضين 100.000 عنوان في التخصصات المختلفة. على عكس ليبيا، التي لم تستطع الخروج من دوامة الاضطرابات، وحافظت تونس على معرضها السنوي للكتاب السابق على معرضي الجزائر والمغرب بعشر دورات، إذ لم يتوقف إلا عام 2014، مستقطبًا في دورته الثانية والثلاثين 237 ناشرًا من 23 دولة.

يرعى هذه المعارضَ قادةُ الدول الثلاث شخصيًا، وتضمّ برامجَ ثقافية وأدبية وفكرية تنشطها وجوه من القارات الخمس، بالإضافة إلى جوائزَ تثمّن فعليّ الكتابة والنشر. نجد في الجزائر جائزة “آسيا جبار” للرواية، وفي تونس جوائز الرواية والشعر والقصة وكتاب الطفل وجائزة “مجهود ناشر”، وفي المغرب “جائزة الكتاب”.

قراء متعطشون للكتب وأشادت نخبة من الناشرين القادمين من لبنان، وسوريا، والعراق، ومصر، والإمارات، لموقع “ناشر” بحماس القارئ المغاربي في اقتناء الكتاب والتنويع فيه، وعمق اطلاعه على جديد النشر في العالمين الناطقين بالعربية والفرنسية.

تقول فاطمة البودي، مديرة “دار العين” المصرية، إنها، رغم بعض العراقيل الإدارية والجمركية، لا تفوّت فرص المشاركة في المعارض الثلاثة، بالجزائر والمغرب وتونس، “ففيها نلتقي نخبة متميزة تنتج الأفكار والنصوص، وآلاف القرّاء المقبلين بلهفة على الكتاب”. بموازاة ذلك، تنظم وزارات الثقافة ونقابات ناشري الكتب والجمعيات المدنية معارضَ وطنية ومحلية على مدار العام، يلتقي فيها الناشرون المحليون بقراء المدن البعيدة عن العواصم المعروفة بكثرة فرص الحصول على الكتب فيها. ويعترف أحمد ماضي، رئيس النقابة الجزائرية لناشري الكتب، بأن الإقبال على الكتاب في المدن الداخلية أكبر منه في الجزائر العاصمة، “هذا ما نلمسه سنويًا في معارض تحتضنها هذه المدن، مثل باتنة، وقسنطينة، وتلمسان، ووهران”.

الملاحظة نفسها تنطبق على مدن مغربية كثيرة، منها تطوان، وطنجة، ومكناس، وتارودانت، وكلميم، ذلك أن هناك تعطشًا للقراءة، بحسب الشاعر المغربي عادل لطفي، في ظل اهتمام هذه المدن بالحياة الثقافية، بالمقارنة مع المدن الكبيرة، التي تشغلها وتيرتها الاقتصادية والسياحية المتسارعة.

في السياق ذاته، يشكل المعرض السنوي الخاص بالكتاب الموريتاني، الذي تنظمه المكتبة الوطنية في نواكشوط، فرصة يلتقي فيها شركاء عملية النشر، من كتاب، وناشرين، وموزعين، ومكتبيين، لتبادل الأفكار والخبرات، بالموازاة مع توفير نافذة للقارئ الموريتاني لاقتناء الجديد، خاصة أن الناشرين يتنافسون في إطلاق تخفيضات مغرية. الدعم الحكومي للكتاب يكاد الدعم الحكومي للكتاب، في معظم الدول المغاربية، أن يكون مرافقًا للدعم المتعلق بالمواد الاستهلاكية.

ففي الجزائر، يعمل “الصندوق الوطني للآداب والفنون” التابع لوزارة الثقافة، على دعم حوالي ألف عنوان سنويًا، وفي المملكة المغربية، بحسب مصدر حكومي، مسّ الدعم 459 مشروعًا، عاد إلى 71 مستفيدًا، يتوزعون على 35 دار نشر، إضافة إلى 18 جمعية تعمل في مجال الكتاب. ويشمل الدعم في هذا الإطار، والذي يصل إلى 60% من تكاليف الكتاب، مهام لجان القراءة، والتدقيق، والإخراج، والطباعة. كما يضم تكاليف شراءَ الحقوق، بما فيها حقوق الترجمة.

وبلغ مبلغ الدعم المخصص لهذا المجال 7.380.000 درهم، ويشغل ذلك 50 % من المبلغ الإجمالي المخصص لمجمل المجالات. غير أن هذا الاهتمام الرسمي لم يستطع أن يحلّ جملة من المشكلات والمعوقات، التي تحول دون وصول الكتاب إلى القراء، إذ تبقى شبكة التوزيع ضعيفة في الدول الخمس، حتى بات الحصول عليه خارج المعارض المنظمة والمكتبات العامة والجامعية صعبًا ومتعبًا. النشر خارج الحدود وتتعدّى تحديات توزيع الكتب النطاق القُطري لكل بلد، إلى النطاق المغاربي العام، إذ تنعدم الآليات القانونية والجمركية والتجارية، التي تجعل الكتاب الصادر في إحدى دول الاتحاد متوفرًا في الدولة الأخرى.

فالكاتب المغاربي لا يقرأ زميله المغاربيَّ إلا إذا صدر كتابُه عن إحدى الدور العربية أو الفرنسية المشاركة في معارض الكتاب المغاربية. هذا الواقع، أسس لظاهرة لجوء الكاتب المغاربي إلى دور النشر العربية والفرنسية، بحسب اللغة التي يستعملها، حتى لا يبقى كتابه في حكم المخطوط الذي لا يطلّع عليه أحد، في حالة نشره ببلده، بل إن نسبة كبيرة من الكتاب المغاربيين لم تحظَ بأيِّ التفات إليها، إلا بعد نشرها خارج الفضاء المغاربي، وفوزها بجوائز عربية وعالمية مهمة.

إذاً، نحن أمام مشهد مغاربي ثري بالمواهب والحماس للقراءة، بما يجعل منه سوقًا معتبرة في مجال الكتاب، في مقابل نقائصَ واختلالاتٍ كثيرةٍ تحول دون أن يتحوّل هذا المعطى الثقافي والتجاري إلى واقع ملموس، وهو ما يدعو المستثمرين في هذا الباب عربيًا وغربيًا، إلى فتح كتاب الاستثمار في بيئة تعدّ حلقة الوصل بين القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأوروبا.

أخبار حديثة

24فبراير
الشارقة تحتفي بمئة عام من المعرفة

الشارقة تحتفي بمئة عام من المعرفة

  احتفاءً بمرور 100 عام على تأسيسها، تنظّم مكتبات الشارقة العامة سلسلة من الفعاليات خلال الأشهر الثلاثة القادمة، والتي تجمع بين النقاشات الفكرية، والجولات الثقافية، والورش التفاعلية، بمشاركة نخبة من الأدباء والمتخصصين والباحثين، وبالتعاون مع نخبة من المؤسسات الثقافية بدولة الإمارات العربية المتحدة، لتسليط الضوء على دور المكتبات في تعزيز المعرفة، وتوثيق الإرث الثقافي، وترسيخ […]

20فبراير
الشارقة تحتضن المؤتمر الدولي الأول لحقوق النسخ

الشارقة تحتضن المؤتمر الدولي الأول لحقوق النسخ

افتتحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، الرئيسة الفخرية لجمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ، فعاليات المؤتمر الدولي الأول لإدارة حقوق النسخ في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي تنظّمه الجمعية على مدار يومين في مجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار، وذلك بالتعاون مع وزارة الاقتصاد في الدولة، والاتحاد الدولي لمنظمات حقوق النسخ.   شهد الحفل الافتتاحي للمؤتمر، معالي […]

20فبراير
الجائزة العالمية للرواية العربية تكشف عن القائمة القصيرة لدورة 2025

الجائزة العالمية للرواية العربية تكشف عن القائمة القصيرة لدورة 2025

كشفت الجائزة العالمية للرواية العربية عن القائمة القصيرة لدورتها الثامنة عشرة لعام 2025، والتي ضمت ست روايات لكتّاب من ست دول عربية، وشملت “دانشمند” لأحمد فال الدين (موريتانيا)، و”وادي الفراشات” لأزهر جرجيس (العراق)، و”المسيح الأندلسي” لتيسير خلف (سوريا)، و”ميثاق النساء” لحنين الصايغ (لبنان)، و”صلاة القلق” لمحمد سمير ندا (مصر)، و”ملمس الضوء” لنادية النجار (الإمارات).   […]

Related Posts

التحول الرقمي ينقذ الأدب الأسترالي من الانقراض

التحول الرقمي ينقذ الأدب الأسترالي من الانقراض

أُعيد إحياء أكثر من 160 كتاباً لمؤلفين أستراليين بارزين، بما في ذلك ستة فائزين بجائزة مايلز فرانكلين الأدبية، من خلال مشروع "Untapped" (غير مُستغل) الذي استمر لمدة ثلاث سنوات وانتهى في ديسمبر 2024. وشمل المشروع إعادة نشر أعمال لثيا أستلي، وميم فوكس، وشارميان كليفت،...

المكتبات السورية.. تراث محفوظ رغم التحديات

المكتبات السورية.. تراث محفوظ رغم التحديات

تُعد سوريا واحدة من أقدم مناطق العالم التي عرفت الحضارة والكتابة، ما جعلها مركزاً مهماً للمعرفة والثقافة على مر العصور. ومنذ الألف الثالث قبل الميلاد، شهدت سوريا ميلاد مكتبات كانت تمثل مراكز لتوثيق الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية. من أبرز هذه المكتبات القديمة...

أربعة كتب ضرورية لفهم تاريخ سوريا ومصيرها

أربعة كتب ضرورية لفهم تاريخ سوريا ومصيرها

ألهم تاريخ سوريا، إحدى أقدم الحضارات في العالم، أعمالاً أدبية وتاريخية مهمة. وتتشابك هذه الكتب مع الثراء الثقافي لسوريا، والصراعات السياسية، والرؤى للمستقبل. وفيما يلي أربعة كتب شهيرة تستكشف هذه الموضوعات:   تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين - فيليب حتي يقدّم عمل الدكتور...

Previous Next
Close
Test Caption
Test Description goes like this

Pin It on Pinterest