يعد الكاتب والمستشار محمد عبد العال الخطيب من الأقلام المصرية المميّزة في الأعوام الأخيرة، والذي حققت رواياته وكتبه انتشاراً مقدراً بين محبي قراءة الأعمال التي تعتمد على مزيج من التاريخ، والدراما، والتشويق، وربط الماضي بالحاضر، ومن أبرزها روايات “البهلوان”، و”أخطر الرجال”، وتحت الحصار”، و”الأخدود”، وأحدثها ما صدر نهاية شهر يناير 2022 تحت عنوان “أرض بلا ظل”، أما كتبه فمن أشهرها “عصر النخبة” و”قناة السويس من المهد حتى التحرير”.
والخطيب ابن مدينة الإسكندرية، دُرة مدن مصر والعالم، مستشار قانوني يشغل منصب نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، وهي هيئة قضائية مستقلة متخصصة بحماية المال العام والمطالبة به من الناحية المدنية، إضافة إلى كونه عضواً في اتحاد كُتّاب مصر (شُعبة رواية).. وفي هذا الحوار مع “ناشر” يتحدث المستشار الخطيب عن رحلته مع الكتابة وعن روايته ما قبل الأخيرة “الأخدود”.
* كاتب روائي ومستشار قانوني.. كيف تؤثر روح رجل القانون على تمكنك من الكتابة الروائية؟.. هل يمنحك هذا “حساً بوليسياً” فقط أم ثمة أشياء أخرى يضيفها القانون لك؟
القانون هو القاسم المشترك لكل أوجه الحياة الاجتماعية، فلكل مجال تجد قانوناً يحكمه، هذا القانون له مذكرة إيضاحية أفصحت عن أسبابه التي اجتمعت حتى تفرض إصدار هذا القانون، ما بين أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية.. كل هذه الأسباب تجعلك أقرب إلى المجتمع، على تماسٍ معه ومخالطاً له، بل في نسيجه تماماً حتى تستطيع إصدار قانون يحكمه. إذاً فالقانون نفسه يقوم على رواية الأحداث وتصاعدها حتى يظهر في صورته النهائية.
بالطبع يعطي لك القانون مسحة من الدقة في كل تفاصيل العمل الدرامي: أسبابه، وأحداثه، ونتائجه، مع غلبة المنطق في تفسير الأحداث، وهو ما يفسر إلى حد كبير الحس البوليسي في هذا العمل.
* في روايتك “الأخدود” الكثير من التفاصيل والأماكن التي لا يعرفها سوى شخص عاش في البلقان.. من أين تستمد هذه المعلومات وما أهمية القراءة للكاتب؟
اتذكر كلمة في ندوة لأحد الأدباء قال فيها “لا تعتمد على الإلهام لأنه قد يموت”! بالطبع لم يكن يقصد المعنى الحرفي لذلك، ولكن كان يقصد أن الكتابة يجب أن تكون لها روافد عدة أهمها القراءة، والمشاهدة، والتجربة. نيوتن عندما انتهى إلى قانون الجاذبية، لم تكن ثمرة التفاح هي السبب الوحيد، بل كانت السبب الذي حرّك كل الأسباب.. كل المخزون المعلوماتي له.
وبالتالي، فإن أهم رافد لي هو القراءة والمشاهدة. أنا مقتنع تماماً أن احتكاك الشخص بالمكان يولد بينهما مشاعر وألفه قد تكون سبباً في عمل درامي.
* بدأت روايتك من قرية صغيرة على الحدود بين صربيا والبوسنة واختتمتها بمياه النيل وسد النهضة.. أليس من المتعب للقارئ التنقل بين هذه الأحداث في عمل لا تتجاوز صفحاته المائتين بقليل؟ لماذا هذه الانتقال السريع بين الأماكن والأزمنة؟
أتفق معك تماماً في أن الاحداث في رواية “الأخدود” كثيرة، ولكن فلننظر عما تتحدث وعما تتعرّض له الرواية من موضوع شائك، فَتُقدم للقارئ تفسيراً تاريخياً لما يحدث في أزمة سد النهضة، لذا كانت مُركزة إلى حد بعيد وتحتاج إلى تدقيق في القراءة، ولما كان القارئ الحالي ليس له القدرة على قراءة الروايات الضخمة، فكان هذا أحد أسباب تركيزي وانتقالي السريع بين أحداث الرواية.
* روايتك قريبة من أسلوب “رجل المستحيل” والمكتب رقم 19″ من سلسلة روايات مصرية للجيب.. هل قرأت هذه الروايات.. وهل تأثرت فعلاً بها؟
بالفعل، تأثرت إلى حد بعيد بالكاتب الكبير نبيل فاروق والدكتور أحمد خالد توفيق، رحمة الله عليهما. أتذكر انتظاري لكل رواية جديدة للدكتور نبيل فاروق بكل شوق، وعندما اقتربنا إلى العدد رقم مائة تخيّلت وفاة أدهم صبري، ولكن أمد الله في فكر وإلهام الدكتور فاروق حتى جاوز هذا الرقم بكثير، ربما وصل 160 عدداً، ولكن أعتقد أيضاً أن طبيعة عملي تفرض المنطق في تفسير كل شيء، وأعطت هذا السند فيَّ والمتكأ في تفسير كل شيء، فغلب في تلك الرواية الحس البوليسي، ثم أنني بالفعل أخرجت عدة روايات أسميتها “سلسلة روايات باهر”، وهي مجموعة روايات لها رؤية واضحة في أن التاريخ يُعيد نفسه، فيحمل ذات الخطر ولكن بأدوات وأشخاص مختلفين، وأن حل اللغز أو المشكلة التي يطرحها الحاضر دائماً ما تجد تفسيرها أو حلها في الماضي.
بطل السلسلة هو “باهر”، رجل قانون يستخدم أداة البحث التاريخي لكل ما يُطرح من ألغاز وقضايا، فنحن إذاً أمام نوع جديد من الأبطال، رجل قانون يحمل أداوت التاريخ لحل كل القضايا، بعيداً عن القالب المعتاد لأبطال الروايات البوليسية مما بدأه آرثر كونان دويل أواخر القرن الثامن عشر في إيجاد قالب جديد لبطل روايته البوليسية شرلوك هولمز والذي جاء في شخصية طبيب يتحلّى بالذكاء والمهارة والمعرفة العلمية، بجانب قدرات في الطب الشرعي واستخدام الكيمياء، وهو ما سار على نهجه في مصر الكاتب الكبير نبيل فاروق في سلسلة روايته “ملف المستقبل”، حيث كان المساعد الأول للبطل طبيب، ثم أتى الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق وصنع بطله في سلسلة “ما وراء الطبيعة” والمتمثل في رفعت إسماعيل، وهو طبيب مميّز في عمله واسع التجربة. تلك هي فكرة السلسلة، أولى هذه الروايات رواية “البهلوان” عن سرقة الاثار المصرية، وتتابعت الروايات.
* يعيب كثيرون على الشباب العربي في هذا العصر ابتعادهم عن القراءة. هل المشكلة في هذا الجيل أم في نوعية الأعمال المتوفرة حالياً في المكتبات.. وكيف يمكننا أن نغرس حب القراءة في نفوس أطفال وشباب اليوم؟
انا مقتنع تماماً بأحاديث الآباء، فمع الوقت والتجربة نكتشف صحتها لأنها صادرة عن تجربة وإن اختلفت وقائعها، وقديماً قالوا إن “العين تعشق قبل القلب”، والمقصود أن هناك مؤثراً خارجياً استطاع أن يستحوذ على إحدى الحواس بسهولة، فاستحوذ هذا المؤثر على العين أولاً. والآن، لم يختلف الأمر، إذ استعاض الكثير من الشباب عن القراءة بأشكال أخرى كثيرة للتسلية، مثل مشاهدة الافلام والمسلسلات، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي من “يوتيوب” إلى “انستغرام”، وصار إشباع الحواس بالنسبة لهم أيسر باستخدام هذه الأدوات بدلاً من اللجوء إلى القراءة. إذاً السبب الأول هو وسائل التكنولوجيا الحديثة وما توفره من إغراء للشاب، جعلتهم يهملون القراءة.
* الإسكندرية كانت قبل عدة عقود مدينة عالمية، تعيش فيها جنسيات شتى وأديان عديدة، وكانت مكتباتها ومدارسها منارات معرفية وثقافية.. كيف أثرت هذه المدينة الساحرة على كتاباتك؟
الإسكندرية أجمل مدينة في الكون وليس في الأرض فقط هذا لو افترضنا وجود حياة في عوالم أخرى! منحني الله مسكناً إلى جانب ساحل الإسكندرية، ولأن عملي بالقاهرة فأقضي عدة أيام هناك والأخرى بالإسكندرية. استيقظ مبكراً واتجه في السابعة صباحاً إلى أحد المقاهي المطلة على البحر مباشرة، أستأنس بالناس واستمتع بالبحر، كم هو رائع هذا المشهد.. أتمنى أن يراه الجميع حتى في وقت الشتاء، بل وفي أيام النوات (ظاهرةٌ مناخية يحدثُ فيها هبوبٌ شديدٌ للريح ما يُثير اضطراب البحر)، حيث تلاصق أمواج البحر ركام السحاب، رؤية رائعة وذهن صافٍ، ماذا تريد أكثر من ذلك كي تنطلق للكتابة؟!
* جائحة كورونا غيّرت جوانب كثيرة من حياة الناس.. كيف أثّرت الجائحة عليك شخصياً وعلى اهتمامك بالكتابة والتأليف تحديداً؟
كورونا أخرجت لتوها الرواية التاريخية “كود 19″، التي تتحدث عن أكبر جريمة ارتكبت في حق الإنسان وهي الاستعباد، وكيف أن لهذه الجريمة ظلال من العنصرية في العصر الحديث، حيث لاحظناه جميعاً عندما عم اضطراب عام في أمريكا وأنحاء أوروبا، بعد مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد، ومن خلالها تعرّضت لما تم في أفريقيا على يد الأوروبيين في القرن الثامن عشر.
الرواية تشير بطريقة درامية إلى التشابه بين أجواء هذه الجريمة وبين ما نحن فيه من محنة؛ بسبب فيروس كورونا، فلعلك تلاحظ التشابه الكبير بين وسيلة الاستعباد المتمثلة في قيود الفم واليد، التي هي ذاتها وسيلة النجاة في ظل هذا الفيروس في صورة كمامة الفم وطهارة اليد .
* أخيراً، ما هو الجديد الذي تعمل عليه حالياً.. هل ثمة رواية أو كتاب يصدر قريباً؟
شاركت في معرض القاهرة للكتاب 2022 مع دار نشر جديرة بالاحترام والتقدير، في العقد الأخير انطلقت في سماء الإبداع وهي دار ” دوّن ” للنشر، برواية “أرض بلا ظل” في موضوع لم يستطرق من قبل وهو الظل. والظل المقصود في هذا العمل هو البقعة السوداء التي تنعكس على الأرض أو الحائط عندما نكون في مسار الضوء، فإذا تتبعنا ما كُتب عن الظل بتعريفه هذا وجدنا فجوة وثغرة كبيرة، فكل ما تعرّضت له الرواية ليس سوى مجرد كنايات وتوريات تُعطي معانٍ مختلفة للظل مثل الهوية الأخرى أو السند، ورأينا ذلك سواءً على المستوى المحلي في رواية “رجل فقد ظله” أو في إحدى الروايات العالمية كما في “صاحب الظل الطويل” التي صدرت عام 1912 للكاتبة الأمريكية جين وبستر.