هارباً من الأنظمة القمعية وثقافة العنف، يقطن الروائي العراقي الألماني عباس خضر في العاصمة الألمانية برلين، فيكتب رواياته بالألمانية القادرة على الاختزال وربط الكلمات في جملة واحدة، لتتوالد الصور بما يشابه “الصفعة” لحظة القراءة على حد تعبيره. مع هذا، لم يخرج العراق من مخيلته، فروايته الجديدة “قصر الشحاذين” التي صدرت مطلع فبراير 2020، تدور أحداثها في العراق خلال التسعينيات من القرن الماضي وحتى سقوط نظام صدام حسين.
وفيما يلي نص الحوار مع “ناشر”:
لماذا هجرت الكتابة باللغة العربية؟
أعتقد أن البُعد الجغرافي تحوّل بمرور الوقت إلى بُعد لغوي بسبب الاختلاط بالمكان الجديد. يبدو أن سنوات المنفى الطويلة التي عشتها، جعلتني أبحث عن جمهور وقراء جدد. حقيقة، أنا لم أفكر يوماً بالهجرة من اللغة العربية، إنما كنت هارباً من الأنظمة القمعية يومها وثقافة العنف، تلك التي عشتها في العراق وفي دول أخرى، ويبدو أن هذا الهرب يومها من منظومة سياسية وثقافية تحوّل إلى هجرة من منظومة اللغة أيضاً.
ما الفرق بين الكتابة بالعربية والألمانية؟
الكتابة الأدبية هي نفسها، ولا تختلف من لغة إلى أخرى، ولكن جماليات اللغة تختلف كثيراً بين العربية والألمانية. كل لغة لديها أدواتها وشعريتها التي تحتاج أن تُكتشف لكي يستطيع المرء الكتابة الإبداعية عبرها. وما أحبه كثيراً في الألمانية هو قدرتها على الاختزال والتعبير عن المجردات والأفكار بأقل ما يمكن من كلمات. الشعرية في الألمانية أعتبرها ذهنية ولا تعتمد كثيراً على الوصف والتشابيه بقدر ما تميل إلى نشوة ترابط الكلمات داخل الجملة الواحدة وتوالد المفاهيم أو الصور بما يشابه الصفعة لحظة القراءة.. إنها الدهشة اللغوية.
روايتك “صفعة” تتحدث عن علاقة الألمان بالمهاجرين، كيف ترى تطور هذه العلاقة منذ كتابة الرواية حتى الآن؟
هذه العلاقة تتغيّر دوماً، حسب الوضع السياسي الدولي والمحلي. كل حدث يفرض نفسه على هذه العلاقة. في العموم هي علاقة غير مستقرة، وتتعقد كثيراً بعض الاحيان كما هو الوضع حالياً مع صعود اليمين المتطرف في أوروبا والعداء للأجانب والمهاجرين.
في الرواية الأخرى “برتقالات الرئيس” تحدثت عن تجربتك وتجربة الآخرين في الاعتقال، كيف تقيّم الأوضاع حالياً في العراق وهل سنرى معاناة العراق الحالية في روايات قادمة؟
الوضع في العراق حقيقةً لا يسر عدواً أو صديقاً، والأسباب كثيرة وربما أكثرها هو المليشيات التي تتحكّم بالشارع العراقي وتقرر مصيره. يوجد أكثر من دكتاتور صغير ما بعد صدام، لديهم جيوش عبارة عن مافيات بملابس عسكرية يقودها رجل طائفي. لا وجود لدولة ديمقراطية بدون ديمقراطيين، ولا وجود لمجتمع مدني بعصابات مسلحة تقتل باسم الله. هنالك جيل جديد استطاع قلب الموازين، ويُمكنه صُنع المستقبل وثورته لم تنتهِ. هذا الجيل بحاجة إلى معجزة وسط الجهل السياسي والديني الذي يسيّطر على العراق. نهاية عصابات أهل السماء وجيوش الغربان المقدسة ستنتهي حتماً ذات يوم.
أما بالنسبة للكتابة عن العراق مرة أخرى، فروايتي الجديدة “قصر الشحاذين” التي صدرت مطلع فبراير 2020 تدور أحداثها في العراق خلال التسعينيات من القرن الماضي وحتى سقوط نظام البعث. هي رواية عراقية بحتة.
ماذا يريد أن يقرأ القارئ الألماني في رواية يكتبها أجنبي بلغته؟
يوجد أنواع كثيرة من القراء، ولكني لا أستطيع أن أجزم أن هناك رغبة واضحة لديهم حول نوعية المادة المكتوبة. هذا في الجانب الأدبي طبعاً، المهم أن تكون الكتابة مشوّقة وتقدم شيئاً جديداً من الناحية الفنية أو من ناحية المحتوى، وهذا يخض الأجنبي أو الألماني معاً.
مع تطور الأساليب الإنتاجية للكتب المسموعة، هل ترى أنها أثرت على الكتاب المطبوع؟
أعتقد أن الكتاب المطبوع مازال صاحب السطوة. الكتب المسموعة لا تصل مبيعاتها في ألمانيا إلى 10% مقارنة بالكتب المطبوعة، لكنني أعتبر الكتاب المسموع مكملاً للكتاب المطبوع والإلكتروني، هذا التنوع مهم جداً في للوصول لأكبر عدد من القراء أو المستمعين. وهذا هو المهم طبعاً في عالم الأدب، الوصول للقارئ.
هل تعتقد أن كتابة الأديب العربي لرواية بلغة أجنبية يُخرج نصاً مزدوج الهوية؟ أم ينقل رؤية مرتبطة بثقافة وطنه الأم حرفياً؟
أنا مع الكتابة بكل أنواعها والمهم هو التجديد. الكتابة بلغة أجنبية تفتح مغارة علي بابا وتتيح للكتّاب الاستفادة من أكثر من لغة وثقافة بحيث يتنوع النص. الكتابة بلغة أجنبية تهب المرء إمكانية رؤية الأشياء بأكثر من عين ومنحى، وأحياناً يكتشف المرء نفسه وتاريخه ومواضيعه من جديد وكأنه يولد مرة أخرى داخل النص.
لماذا لم تكتب شعراً بالألمانية؟
أنا اكتب من سنوات طويلة الشعر بالألمانية ولكنني لم أنشر إلا القليل من النصوص، ربما لأنني مازالت أخاف من هيبة القصيدة بلغة أجنبية.