قاسم سعودي : بغداد
المبدع العراقي سعد محمد رحيم من الأصوات الروائية التي حققت حضوراً واضحاً في المحافل الثقافية العراقية والعربية، عمل في حقلي التدريس والصحافة. ونشر أعماله الصحافية في بعض الصحف والدوريات العراقية والعربية، وصلت روايته “مقتل بائع الكتب” الصادرة عن دار سطور البغدادية إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية عام 2017 وترجمت إلى اللغة الكردية، وصدرت عن دار سردم في السليمانية 2017، ستصدر روايته “ظلال جسد.. ضفاف الرغبة ” الحائزة على جائزة كتارا 2016 باللغتين الفرنسية والإنكليزية عن مؤسسة كتارا في الدوحة في احتفال الدورة الثالثة للجائزة في أكتوبر 2017.
كما حصل محمد رحيم على جوائز عديدة منها: ـ الجائزة الثالثة في مسابقة المجموعات القصصية .. وزارة الثقافة ـ بغداد 1993 عن مجموعته القصصية “ظل التوت الأحمر “، وجائزة الإبداع الروائي في العراق لسنة 2000 عن روايته ” غسق الكراكي “، وجائزة الإبداع في مجال القصة القصيرة/ العراق 2010 عن مجموعة القصصية “زهر اللوز” فكان لـ ” ناشر ” هذه الوقفة الحوارية مع صاحب “مقتل بائع الكتب”.
(مقتل بائع الكتب) عنوان موجع يأخذنا إلى العديد من التساؤلات الإنسانية والمجتمعية في الراهن العراقي.. ماذا تقول عن ذلك؟
. ـ (مقتل بائع الكتب) أردتها أن تكون بانوراما مكثّفة، ومترعة بالأسئلة، عن حياة جيل عراقي تلاعبت به الأحداث، فصارعها بشجاعة يائسة حيناً، وهرب أمامها حيناً آخر، وحاول فهمها طوال الوقت، في تقلّباتها وأصدائها ليُصبح، في النهاية ضحيّتها.. والتاريخ الذي يتحرك بفعالية ملتبسة وغامضة على خلفية حياة شخصيتها الرئيسة (محمود المرزوق) بات صائغ أقدار لا يُرد لأبناء ذلك الجيل. وهذا لا يعني أن هؤلاء أبرياء تماماً وغير مسؤولين بهذه الدرجة أو تلك. وقد يكون من القسوة القول: إن كل جيل، وفي الغالب، يستحق مصيره، لكن التاريخ صناعة بشرية أولاً وأخيراً.
هل يمكن للجائزة الأدبية أن تكون معياراً للتميز والخصوصية في التربة الإبداعية للكاتب، خصوصاً على صعيد التلقي والترويج والإعلام؟
. ـ الحصول على جائزة أدبية نصب عين كل كاتب حتى وإن ادّعى أنه لا يهتم بها.. الجوائز، وأقصد ذات البريق والشهرة منها، وسيلة ترويج وانتشار لا تُضاهى لاسيما في راهننا. وهي التي تسلط عليك الأضواء إعلامياً وتجذب لأعمالك شريحة واسعة من القراء.. لكنها أيضاً قد تغدو مزلقاً يودي بالكاتب إلى التراجع والسقوط.. فحين يُصاب الكاتب بالغرور ويعتقد أنه أفضل من الآخرين وأنه بلغ الذرى يكون قد حكم على نفسه بالموت إبداعياً.
الجائزة ليست معياراً مطلقاً للقيمة الإبداعية، وأحياناً قد تعطي إشارات خاطئة وزائفة للكاتب.. أقول لنفسي: اكتب ولا تضع عينك على جائزة، فإن جاءت بعد ذلك فأهلاً بها. وبعد حصولك عليها بأيام انسها وواصل الكتابة بوصفها شغفاً وطريقة حياة وقدراً جميلاً وصوتاً لضميرك قبل أي شيء آخر.
ما هي الخلطة السرّية التي تقدِّمها للروائي الشاب من نصائح فنية وجمالية على صعيد بناء الشخصيات فنياً وإنسانياً في متن النص الروائي؟
أظن أنه لا وجود لمثل هذه الخلطة السرّية.. لكل كاتب تجربته الخاصة، والكتابة تتطلب الموهبة أولاً ومن ثم تأتي مرحلة تراكم الخبرات والتي تستغرق العمر كله. لا أجزم أن النصائح لا تفيد.. أنا نفسي استفدت وما زلت أستفيد من نصائح الآخرين، وما تعلّمته مبكراً هو أن أعيش حياتي وأكون نفسي لكي تمضي معي عملية الكتابة على نحوٍ مُرْضٍ.
الكاتب الحقيقي هو من يظل تلميذاً أبدياً في مدرسة الحياة، يراقب ويحلل ويقوِّم، وكذلك تلميذاً أبدياً في محراب اللغة والأدب والمعرفة، لا ينقطع عن التجريب؛ يكتب ويشطب و يعود يكتب مجدداً، فالقدرة على الشطب وإعادة الكتابة ميزة حسنة، وأيضاً هناك القيمة الأخلاقية الأعظم التي على كل كاتب تمثّلها وتجسيدها في ما يكتب وأعني؛ احترام القارئ.. وأخيراً أقول: إن الكتابة أسلوب في العيش فإما ان تكرِّس لها حياة بكاملها أو أن تبحث عن عمل آخر، واهتمامات بديلة.
كيف وجدت سوق النشر في العراق؟ والعلاقة التي تحكم الناشر والمبدع إنسانياً وفنياً واقتصادياً؟
ـ على الرغم من قدم صناعة النشر في العراق إلا أنها لم تتقدم بما يناسب الثقل الإبداعي والثقافي العراقي. وهناك أسباب عديدة لهذا التلكؤ أولها المنعطفات السياسية الحادة في البلد، والطبيعة الاستبدادية للأنظمة التي تعاقبت على كرسي الحكم والقوانين التي حالت، وما زالت، دون وصول الكتاب العراقي إلى مكتبات المدن العربية، مما أضعف الحافز وروح المنافسة عند الناشر العراقي في تطوير إنتاجه وتوسيعه.
وأعتقد أن الأمر بدأ يتغير نسبياً خلال العقد الأخير. وشرعت دور نشر محلية بتوسيع نطاق أنشطتها وتسويق مطبوعاتها في فضاءٍ أوسع. وربما ترسخت تقاليد حديثة تنظم العلاقة بين الكاتب والناشر ستضمن حقوق الطرفين في غضون السنوات القادمة. ويبقى الطابع الإنساني في العلاقة بين الاثنين هو الغالب بدلاً من الطابع الرسمي القانوني والذي هو ضرورة لا غنى عنها.
ما أهم دور النشر التي تعاملت معها محلياً وعربياً.. وكيف وجدت حضورها في معارض الكتب الخليجية والعربية؟
ـ تعاملت مع دور نشر عراقية وعربية عديدة، أولها دار النشر الرسمية في العراق، وأقصد دار الشؤون الثقافية العامة، والتي راحت تتراجع في مساحة المطبوع لأسباب اقتصادية وإدارية. وللأسف لا تمتلك أيضاً سياسة ترويج وتوزيع تكافئ جودة كثير من عنوانات الكتب التي تنشرها، كذلك أصدرت لي دور (موزوبوتاميا، ومكتبة عدنان، وسطور) بعض كتبي.
أما عربياً فكانت هناك دار فضاءات الأردنية فضلاً عن داري أفكار ونينوى السوريتين.. واعتقد أنها جميعاً أوصلت كتبي التي طبعتها إلى المعارض الخليجية والعربية، ولا ننسى أن ثمة ركوداً عاماً في سوق المطبوع العربي، وتراجعاً في عدد من يقتنون الكتب، لاسيما بعد بروز مشكلة الاستنساخ والقرصنة والنشر الإلكتروني التي تهدد صناعة النشر الورقي العربية.
هل تفكر بتأسيس دار نشر خاصة؟ وما هي أسباب ذلك في ظل تنامي دور النشر الخاصة التي يرأسها بعض الأدباء والكتّاب؟
لم أفكِّر قط بإنشاء دار نشر خاصة بي.. ليست لدي الرغبة والعقلية التجارية اللتان تعيناني، ولا أملك رأس المال الضامن لنجاح مشروع من هذا القبيل. أريد أن أكرِّس ما تبقى من سنوات العمر لمشاريع في الكتابة، لا أن أبددها في ما لا أتقنه.