Home 5 مقابلات 5 إيراهيم نصرالله: نستعيدُ حكاياتِ الجدّات في الكتابة لنوقظ العالم

إيراهيم نصرالله: نستعيدُ حكاياتِ الجدّات في الكتابة لنوقظ العالم

بواسطة | سبتمبر 9, 2018 | مقابلات

جعفر العقيلي

 

قال الروائي إبراهيم نصرالله إنه يعيش في زمنٍ انشغل فيه بالدفاع عن معنى كل كلمة كتبها، ولم يكن يخطر بباله أنه سيحظى بأيّ جائزة.

وأضاف في حفل نظمته مؤسسة عبدالحميد شومان الثقافية، تكريماً له بمناسبة فوز روايته “حرب الكلب الثانية” بالجائزة العالمية للرواية العربية، أن الدفاع عن حرية البشر وكرامتِهم، وأوطانِهم، وحقِّهم في الحياة والأمل والمستقبل، هو المعيار الوحيد الذي به يستطيع التمسك بإنسانيته، والدفاع عنها أيضاً، وإيجادَ مبرر لوجوده على هذه الأرض.

وأكد أن كلّ روايةٍ كتبها قبل “حرب الكلب الثانية”، كانت جزءاً أساسياً من هذه الرواية، وكلّ تجربةٍ عاشها كانت جزءاً منها أيضاً، مؤكداً أنها لم تأتِ من فراغ، بل من معاناةٍ كبرى شهدتها هذه “المنطقةِ الممتدَّةِ بين ماءين وأكثرَ من دم، في زمنٍ مهما ادَّعينا فيه أننا أحرار، اكتشفنا أننا واقعونَ تحت احتلالاتٍ لا حصر لها؛ احتلالُ العدوِّ المباشر، والعدوِّ المُستتر، والعدوِّ السَّاكن فينا”.

ورأى في هذا السياق، أن وقْع هذه المأساة يتضاعف بسبب “إصابة كثير من دول العالم بانتصاراتِ الغطرسة والعدوان والتمييز والجشع الذي يلتهمُ هذا الكوكبَ الجميلَ، ومَنْ، وما، عليه من كائنات”، لأن كلَّ مَن ينتصر ظُلْماً على الآخرين، سيدمِّرُ مستقبلاً يورثُ فيه أبناءه وأحفادَه شقاءً أطول وحروباً أقسى، لأنهم سينشغلون دائماً في الدفاع عن نصر آبائهم وأجدادهم الظالم.

وأوضح نصرالله أن هذه الرواية كانت معنيَّةً بكل ما عاناه الإنسان من إطلاق وحش التطرّف والقتل الأعمى؛ مبيناً أن هذا التطرف ليس مقتصراً على التنظيمات الظلامية، بل يمتدُّ إلى كثير من الأفراد والتنظيمات التي تدَّعي التسامحَ والقبولَ بحريَّة الرأي والمعتقد، وقبلَ هذا وبعدَه يمتدُّ إلى القوى الظالمةِ الكبرى، وكثيرٍ من الأنظمة التي مارستْه بدمويةٍ وبعنفٍ شديدين، ضد مواطنيها، وأصّلتْهُ في الحياة الاجتماعية والسياسية لشعوبها قبلَ أن تمارسَه التنظيماتُ المتشدِّدة، وأفرزت مؤسسات تُضيِّقُ الأوطان وتُصحِّر الإنسان، وتمهّد الطريق، بضيق أُفقِها، لاندلاع الكثير من الحروب التي تنتمي، بعمى مقدماتها وأسبابها، لكل الحروب الشبيهة بحرب الكلب الثانية.

وأكد نصرالله أنه يكتب ليتخلّص من ثقل يُطبقُ عليه، ولكن ما يحدثُ أنه يكتشفُ حين ينتهي من عملٍ كهذا، أنه أضاف ثقلاً جديداً فوق جسده وروحه، لأنه أدرك المعضلةَ أو الكارثةَ أكثر.

ورأى أن هذا النمط من الكتابة لا يُشفي كاتبَه، بل يصيبُه بـ”لعنة الوصول إلى الحقيقة”؛ حقيقة ما يحيطُ بنا، ونعاني منه اليوم، لا كعربٍ فقط، بل ما يعاني منه الإنسانُ في أماكن كثيرة.

وأوضح أن الكاتب يكتبُ ليهُزَّ العالمَ لا ليرَبِّتَ عليه، مضيفاً: “عالمنا اليوم ليس قطّاً أنيساً، بل حقلٌ واسع للقتل، وجراحُهُ أكبرُ من أن يواريها أحدٌ بطبَقةٍ من مكياجٍ خفيفٍ أو ثقيل”. لهذا، كان من الصعبِ على نصرالله أن يعبّر عن هذا الواقع وهو متمسِّكٌ بعقله وبأدواتِه الفنيةِ التي استخدمها بدرجةٍ أو بأخرى في أعمال أخرى، فـ”حين نكتبُ عن الجنون نكتبُ بعقولِنا، لكنْ على عقولِنا أن تصِلَ بنا ونصِلَ بها إلى حدودِ الجنون حتى نُعبِّرَ عنه بطريقة مقنعة”.

ووجّه نصرالله التحية لـ”القراءِ النوعيين، والنقادِ النوعيين”، الذين يجعلون الكاتب يحسُّ بأهمية أن يتجدَّدَ دائماً، وينتظرون تجدُّدَه بسعةِ بصيرتهم وحيويةِ أرواحِهم ورهافةِ ذائقتِهم، ويقولون له بانفتاحِهم الجماليِّ أنه لم يغامر سدىً، وإن عليه ألّا يخافْ من القراء، بل من محاولته لإرضائهم.

وختم نصرالله كلمته بقوله: “بينما كنا نتشرّبُ حكاياتِ الأمهاتِ والجدّاتِ، التي كنَّ يَقُدْننا  فيها، وبها، نحوَ النوم، نستعيدُ هذه الحكاياتِ في الكتابة، في محاولةٍ منا لإيقاظِ العالم”.

من جانبه، قال الروائي سامح خضر مدير متحف محمود درويش، إن “حرب الكلب الثانية”، تمثل الشرفة السادسة من شرفات إبراهيم نصرالله، التي تناول فيها الكاتب قضايا اجتماعية وحياتية أكثر التحاماً بالواقع بعبثيتها وسرياليتها المعقدة، وجعله موازياً لمشروع “الملهاة الفلسطينية” الذي كرسه للعودة إلى تاريخ القضية الفلسطينية للوقوف على أهم محطاته وتجليات كفاح الشعب الفلسطيني في مواجهة قوى الاستعمار.

وأضاف خضر أن شعور القارئ بالمفاجأة في “حرب الكلب الثانية”، ينبع من اليقين المسبق الذي منحه نصرالله لقرائه في أعمال سابقة سواء على مستوى اختياراته للمواضيع، أو طريقة معالجة الموضوع روائياً.

وبيّن أن نصرالله، يقدم لنا صورة أخرى للمدن الفلسطينية “الطاهرة” التي جابها في “زمن الخيول البيضاء” و”قناديل ملك الجليل” وبقية روايات الملهاة الفلسطينية، ليستدرج القارئ للتفكير في التحولات التي طرأت على المدن العربية لتجعلها عفنةً وسوداوية المستقبل و”ديستوبية” النمط.

ولفت في معرض حديثه عن الروائيين، إلى أن الروائي الكبير هو الذي يلهم ويساهم في صنع روائيّ كلّ يوم، وليس فقط مَن يمتع جمهوره بمنتجه الأدبي، مذكراً بقول محمود درويش: “الكاتب الكبير هو الذي يجعلني كبيراً حين أقرأ وصغيراً حين أكتب”.

أما الكاتب السعودي سعد البازعي، فرأى أن إبراهيم نصرالله يعيد رسم العالم “الديستوبي الأورويلي”، لكن من زاويته المتفردة، وهو يعيد التأمل في علاقة الفرد بالسلطة، بما يفضي إلى رؤية واقعية رغم العالم الفانتازي المرعب المحيط بالناس بعد “حرب الكلب الأولى”.

وقال: “إذا كان مما يميز العمل الأدبي تفرده فإن ذلك التفرد يظل رهينة الوعي بالتشابه، أي بالصلات التي تربط العمل بأعمال أخرى تقبل المقارنة معه ويمكن من خلالها اكتشاف تفرد ذلك العمل”.

وأشار إلى أن هناك مسألة رئيسة في الرواية هي مسألة السلطة أو الهيمنة، الحاضرة بقوة في الثقافة المعاصرة، سواء تجلت في الأدب أو في أعمال المفكرين والنقاد.

أما الأكاديمي د.زياد الزعبي، فرأى أن نصرالله يحاول في شعره ورواياته وكتاباته، أن ينشئ حواراً عميقاً ينهض على وعيٍ حاد للتجارب المعيشة ويستند إلى خلفية فكرية معرفية وقدرات وأدوات متفوقة تحيل هذا الواقع فناً جميلاً جذاباً، وتميزه عن سواه.

وقال الزعبي إن تجربة نصرالله في الثقافة الإنسانية، تشكلت بدءاً من وعي الذات الثقافية وإعادة بنائها، وانتهاءً بمحاورتها تأملاً وتفكراً. وأضاف أن رواية “براري الحمى” (1985) وضعت نصرالله على طريق الابداع الروائي غير العادي، والذي مكّنه بعد سنوات، أن يبدع في كتابة “حرب الكلب الثانية”.

وأوضح أن بين الروايتين أزيد من ثلاثين عاماً، ولكن نصرالله في هذه السنوات الطوال لم يكرر نفسه ولم يقع في النمطية، بل “انتقل من روائي جميل، إلى روائي أجمل”.

بدورها، رأت د.وفاء الخضراء أن أهم ما يميز أعمال نصرالله، اتسامها بالسهولة والمرونة، وفيها ما فيها من الأصالة الفولكلورية.

وقالت إن الروائي استطاع خلال أعماله أن يبني وعي الناس بالقضية الفلسطينية والتاريخ والفولكلور، كما استطاع كذلك أن يكرس من خلال كتاباته أحد أشكال المقاومة ضد الاحتلال. وأضافت أنه استطاع أن يجرد النص الأدبي من محدوديته السياسية، وأن يتجاوز تأنيب الضمير وينبي “علاقة متينة مع الوطن والجذور والهوية”.

يشار إلى أن إبراهيم نصرالله، الذي وُلد في عمّان عام 1954، حقق حضوراً أدبيّاً لامعاً في الأوساط الأدبية والثقافية، بخاصة بعد ان تفرّغ لمشروعه الكتابي منذ عام 2006.

أخبار حديثة

20نوفمبر
معرض الكويت الدولي للكتاب بنسخته ال47: احتفال ثقافي

معرض الكويت الدولي للكتاب بنسخته ال47: احتفال ثقافي

افتتح معرض الكويت الدولي للكتاب أبواب دورته الـ47 التي تتواصل حتى مساء 30 نوفمبر 2024 بمشاركة 544 ناشراً من 31 دولة عربية وأجنبية، تحت شعار “العالم في كتاب”، وسط احتفاء كبير من محبي القراءة في الكويت بهذا الحدث الثقافي الكبير الذي يستمر على مدى 11 يوماً.   وأكدت عائشة المحمود، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة […]

18نوفمبر
سعود السنعوسي: الرمزية وليدة الرقابة

سعود السنعوسي: الرمزية وليدة الرقابة

ضمن جلسة حوارية نظّمها “رواق- الحواجز” في الدورة الثالثة والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، ناقش الروائي الكويتي سعود السنعوسي، ثلاثيته الروائية “أسفار مدينة الطين”، التي تتناول بصورة فنتازية مرحلة ما قبل النفط في الكويت، حيث يروي تفاصيل مهنة الصيد على سواحل الكويت وبيوت الطين وموانئ الصيد.   وقال سعود السنعوسي خلال الجلسة التي أدارتها […]

18نوفمبر
أمل السهلاوي: الحياة أبعد من الكتب

أمل السهلاوي: الحياة أبعد من الكتب

أكدت الشاعرة الإماراتية أمل السهلاوي أن الإبداع لدى الشعراء ينبع من القراءة في عمر مبكر، مشيرة إلى أن القراءة تخلق عالماً آخر في وعي الإنسان وتعطيه إمكانيات مذهلة، لكن القراءة وحدها لا تصنع وعياً، حيث يبقى القارئ حبيس الكتب وأفكار الكتّاب، ولكي يصنع الإنسان وعيه الخاص وطريقته في الحياة، يجب أن يعيش وينغمس في الحياة […]

Related Posts

تراث “ابن العربي” من الشارقة إلى العالم

تراث “ابن العربي” من الشارقة إلى العالم

    اعتاد معرض الشارقة الدولي للكتاب أن يحتضن دور نشر جديدة في كل عام، ويكون محطة لانطلاقتها عالمياً، ومن بينها مؤسسة "ابن العربي للبحوث والنشر"، التي تسعى، كما يقول صاحبها، أيمن حمدي، إلى تقديم التراث الصوفي عامةً والتراث الأكبري خاصةً في طبعات محققة تحقيقاً...

نجمة صاعدة في عالم النشر:  نور عرب، مؤسسة دار “نور للنشر” تتحدث

نجمة صاعدة في عالم النشر: نور عرب، مؤسسة دار “نور للنشر” تتحدث

الناشرة نور عرب: الشغف هو المحرّك الرئيسي والحقيقي للنجاح في صناعة النشر   منذ تأسيسها في يناير 2018 بإمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أصبحت "نور للنشر" من أكثر دور النشر المتخصصة في طباعة ونشر كتب وقصص الأطفال باللغتين العربية والإنجليزية، نشاطاً...

جميلة حسون: قصة في حب الكتاب

جميلة حسون: قصة في حب الكتاب

أسئلة جميلة حسون *  حدثينا أكثر عن مبادرة "قافلة الكتب".. لماذا هي مهمة.. وما هو التأثير الذي أحدثته منذ إطلاقها عام 1996؟ في العام ١٩٩٦ بدأتُ مشروع Rural books school، أما قافلة الكتاب كمشروع بشكله الحالي وبملكيّته الفكرية فقد بدأ في عام ٢٠٠٦. انطلقت فكرة قافلة...

Previous Next
Close
Test Caption
Test Description goes like this

Pin It on Pinterest