لم يتوقف مشروع الشارقة الثقافي عند تعميم رؤاه البناءة على مستوى بلدان مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي وحسب، وإنما تعدى ذلك ليقدم واحدة من الأطروحات الثقافية العالمية، إذ تجاوزت رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، أطروحاته في دعم الكاتب العربي، وتعزيز حضور المسرح، وإنشاء ألف بيت للشعر، لتصل إلى إنشاء أول منطقة حرة للنشر عالمياً (مدينة الشارقة للنشر) والتي تشرف عليها هيئة الشارقة للكتاب، بحيث تتيح للناشرين من مختلف بلدان العالم، تحقيق التواصل المعرفي والاستثماري مع المنطقة العربية والشرق الأوسط من خلال هذه المدينة.
جاءت أطروحة صاحب السمو حاكم الشارقة في إطار استراتيجي واضح، لتلبي حاجة قطاع النشر، وتوفر فرصة للناشر العربي لفتح آفاق عالمية على مختلف أسواق الكتاب في العالم، وفي المقابل تتيح المجال للناشر العالمي لتحقيق حضوره في بلدان الشرق الأوسط، إذ توفر المنطقة احتياجات الناشر كافة، سواء شركات طباعة، أو توزيع، مروراً بخدمات التحرير، والمراجعة والتدقيق، وصولاً إلى الترجمة، والتصميم، والإخراج، ومجمل ما يتعلق عملية النشر.
ليس ذلك وحسب فمدينة الشارقة للنشر تقدم النموذج الحر والتنويري المنفتح على مختلف ثقافات العالم الذي تتبناه الشارقة في مشروعها المعرفي والحضاري، إذ تخلو المدينة من الإجراءات المعقدة النمطية لتخليص عمليات البيع، والشراء، والتوزيع، والعقود والإتفاقيات، وتقدم إعفاءً ضريباً، إلى جانب الحرية الكاملة الخالية من أشكال الرقابة التي يواجهها الناشرون في العديد من بلدان العالم.
يعود تاريخ تأسيس (مدينة الشارقة للنشر)، إلى السادس من ديسمبر لعام 2013، حيث أصدر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مرسوماً أميرياً بإنشاء مدينة الشارقة للنشر، لتكون منصة انطلاق جديدة لمسيرة الكتاب في دولة الإمارات والمنطقة والعالم.
الارتقاء بقطاع النشر وضع المرسوم الأميري لصاحب السمو حاكم الشارقة، سلسلة من الأهداف والركائز التي يقوم عليها مشروع المدينة، فحرص على تعزيز مكانة الإمارة لتصبح مركزاً عالمياً يستقطب المعنيين بقطاع النشر والطباعة بأنواعه كافة، ودعم الحركة الثقافية والبحث العلمي على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، والنهوض بقطاع النشر والطباعة وتوفير الدعم اللازم لتطويره والارتقاء به، والتأكيد على أهمية الكتاب وأثره في نشر الوعي والعلم بالمجتمع في ظل التطور التقني وتنويع مصادر المعرفة.
اليوم تعمل “مدينة الشارقة للكتاب” لفتح أبوابها أمام الشركات والمؤسسات العاملة في صناعة النشر، إذ تضع خارطة طريق واضحة لتحقيق أعلى مستويات الخدمة، والفاعلية منذ اليوم الأول لتفعليها، بدءاً من البني التحتية، والأبنية، والكوادر لاستقطاب كل المعنين بسوق الكتاب والنشر، سواءً دور النشر الورقية والالكترونية، والمطابع، وشركات الورق، والتدقيق اللغوي، والتصميم والإخراج الفني، أو غيرهم من أصحاب توكيلات الكتب، والمكتبات المتخصصة في تجارة النشر.
ميزات لا حصر لها لا تشكل (مدينة الشارقة للكتاب) حضورها المميز كأول مشروع من هذا النوع في العالم وحسب، وإنما تستند إلى سلسلة من المميزات، والعلامات التي تؤكد عمق الشارقة الثقافي، ومكانها الجغرافي، وحضورها الإقتصادي في المنطقة العربية والشرق الأوسط بصورة عامة، إذ تعتبر إمارة الشارقة بوابة عبور لأكثر من ملياري شخص في المنطقة، حيث يمكن لثلث سكان العالم الوصول إليها في غضون أربع ساعات طيران، والثلثين الآخرين في غضون ثمانِ ساعات، وتمتلك الإمارة إطلالة مباشرة على الخليج العربي والمحيط الهندي، وتضم ثلاثة موانىء بحرية، ومطار دولي، ويعتبر مطار الشارقة الدولي وموانىء الشارقة من أكثر مواقع الشحن الجوي والبحري تنافسية من حيث الرسوم في المنطقة.
إلى جانب ذلك تتميز الإمارة أيضاً ببنيتها التحتية المتطورة، وباستقرارها الاقتصادي والمالي، ويعتبر الدرهم الإماراتي من أكثر العملات استقراراً في العالم من حيث سعر الصرف، وتقدم الشارقة إعفاءً ضريبياً كاملاً على أرباح الشركات، وتتيح التملك الحر بنسبة 100% في المناطق الحرة، ومن بينها (مدينة الشارقة للنشر)، إلى جانب توفير شبكة حديثة للاتصالات، وسهولة الحصول على التراخيص اللازمة لبدء العمل، كما تقدم تسهيلات فيما يتعلّق بإقامات الموظفين والعمال من الجنسيات الأخرى.
نقاط قوة ليس ذلك وحسب فتقدم الشارقة مميزات إضافية لدور النشر، من بينها: انخفاض أسعار الطباعة في دولة الإمارات، وتوفر العديد من المطابع الكبرى التي تعمل على مدار الساعة، وسهولة الحصول على الأوراق والأحبار والمواد اللازمة للطباعة، وإمكانية الاستفادة من خدمات الشحن الجوي والبحري التي تقدمها مئات الشركات بأسعار تنافسية، وكذلك إمكانية استخدام خدمات شركات التوزيع التابعة للمؤسسات الإعلامية الرئيسية في الإمارات، والحصول على تصريحات الطباعة من الجهات الحكومية خلال وقت قصير جداً. ويعد وجود عشرات الجامعات والمعاهد التعليمية المرموقة بالقرب من (مدينة الشارقة للنشر) فرصة غنية تمنح الناشرين والمستثمرين مجالاً للاستفادة من السوق الكبيرة للكتاب الأكاديمي في المنطقة، هذا عدا عن وجود عشرات المبادرات والمشاريع الحكومية التي تقوم بشراء كميات كبيرة من الكتب سنوياً، لتوزيعها على المواطنين الأفراد، والمدارس، والجامعات، والمؤسسات، ومن بينها مشروع “ثقافة بلا حدود” في الشارقة، ومبادرة “مكتبة في كل بيت” في أبوظبي، و”رواق عوشة بنت حسين الثقافي” في دبي، وغيرها من المبادرات.
إضافة لذلك تحفل إمارة الشارقة بتاريخ عريق، وتجربة طويلة باتت حديث المنطقة والعالم، في الاحتفاء بالكتاب، ودعم الناشرين وتوفير السبل لهم لتطوير صناعتهم، كل تلك العوامل وبحسب رؤية وأهداف القائمين على (مدينة الشارقة للكتاب) ستجعل من إمارة الشارقة خلال الأعوام القليلة القادمة وجهة مهمة وفرصة مغرية للانتقال إليها والإنطلاق منها إلى العالم!