لم تكن أحلامها، كطفلة صغيرة ولدت بمدينة القدس في فلسطين، تتجاوز حلم الكتابة، ثم قراءة قصصها بصوت عالٍ على المارة في الشارع، الذين اعتادوا أن يربتون على رأسها بمجرد سماع أفكارها. لم ت عامها الخامس إلا وكانت الكتابة تمثل لها عملًا جادًا تقضي فيه ساعات وساعات لتملأ مفكراتها واحدة تلو الأخرى بكلمات ثمينة مهدت الطريق لرحلتها نحو أن تصبح مؤلفة. ولم يمضي الوقت طويلًا حتى هاجرت مع عائلتها إلى ولاية شيكاغو الأمريكية، التي اصطحبت إليها مفكراتها الطفولية لينضجا معًا بعد أن تكدست بها غرفتها على مر السنين.
حصلت نيفين شبانة على درجة البكالوريوس في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، ثم درجة ماجستير في الآداب من سانت كزافييه، لتنشغل بعد ذلك عن متابعة حلمها في الكتابة الذي أصبح مجرد ذكرى بعيدة بعدما وجدت نفسها عالقة في شِباك الزواج والأطفال والعمل، كونها كانت تُعلّم الأدب الأمريكي والأدب المعاصر لطلبة المدارس الثانوية. إلى أن جاء اليوم الذي تاقت فيه إلى حلم طفولتها ودفعها حنينها إلى الماضي بقوة، لتصدر روايتها الأولى “أسرار تحت شجرة الزيتون” في الصيف الماضي.
تستذكر شبانة طفولتها في فلسطين بالحنين إلى بلدتها المحاطة بأشجار الرمان والعنب والزيتون، والنسيم الذي يسري عبر أزقتها حاملًا معه رائحة الخبز الساخن والشاي بالنعناع، كونه المكان الذي ألهب شغفها بالكتابة ومن الطبيعي أن يكون موضوعًا لروايتها.
تحكي رواية “أسرار تحت شجرة الزيتون” حياة فتاة فلسطينية شابة، تدعى ليلى وعائلتها. ووفقًا لشبانة، فإن “الشخصيات لا تهدف إلى تمثيل الأسرة الفلسطينية النموذجية ولا إلى تمثيل المسلمين، بل هي شخصيات تكشف مكامن النفس البشرية المليئة بالعيوب والشرور”.
وجدت ليلى الفتاة اليافعة نفسها مجبرة على مواجهة القيود الثقافية في محيطها وهي تشق طريقها المحفوف بتعقيدات الحياة. وفي نهاية المطاف، نرى كيف أن هذه القرارات تشكل مستقبلها وتؤثر على كل من حولها. ولعل أدق ما توصف به هذه الرواية هي إنها قصة عن البشر، ذلك أن الفكرة التي أرادت شبانة إيصالها هي “إننا جميعًا متساوون في بشريتنا، وكل منا لديه ما يرويه عن حياته الخاصة، مهما كانت درجة أهميتها”.
وتستمر شبانة في القول أنها قرأت العديد من الكتب والروايات التي أثرت فهمها للثقافة الأمريكية، لكنها سرعان ما أدركت أن نسيج الثقافة الأمريكية “لم يشمل أشخاصاً مثلي”. “لم أقرأ الكتب التي كانت فيها الشخصيات عربية وإسلامية. وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لم يتم تصوير حياة العرب والمسلمين إلا في سياقات القمع والإرهاب”. أقنعها هذا الشعور بأن العرب والمسلمين عاشوا حياة متنوعة ومعقدة تعتمد على نفس العوامل التي أثرت على غير العرب وغير المسلمين: التعليم والوضع الاجتماعي والاقتصادي والتربية والأسرة. أدركت أنه مثلما لا يوجد مجتمع مسيحي أو قوقازي واحد، فلا يوجد كذلك مجتمع عربي أو مسلم واحد. بمعنى أن الدين والثقافة هما عاملان فقط ضمن العوامل التي تؤثر على سلوكياتهم.
تحكي الرواية كيف كانت ليلى تتعرض للتمييز كأجنبية ومسلمة في الولايات المتحدة، وللقمع كامرأة في مجتمع عربي. لكن شبانة لديها وجهات نظر متباينة حول الصراعات التي تعاني منها النساء، وعن ذلك قالت: “إن القمع الذي تواجهه ليلى في الولايات المتحدة بسبب كونها امرأة مسلمة وعربية حقيقي للغاية، فالمحجبات هن أكثر من يعاني من ظاهرة رهاب الإسلام، لأن التمييز يعتمد على المظهر الخارجي المتصور للآخر”. ومع ذلك، تصر شبانة على أن اضطهاد ليلى لا يرجع إلى كونها عربية أو مسلمة وحسب، فشخصية “والدها” في الرواية تكشف لنا عن أب سكير وفظ، لتصبح ليلى ضحية للعنف المنزلي أيضًا.
تتعرض شبانة في روايتها أيضًا إلى قضية الاغتصاب التي ترى مرة أخرى أنه قضية عالمية ولا يقتصر على منطقة بعينها: “أعتقد أن الاغتصاب دون عقاب يمثل حقيقة في جميع أنحاء العالم. هنا في الولايات المتحدة، الاغتصاب يعتبر جريمة لكن الحالات التي لا يتم الإبلاغ عنها كثيرة لأن كثيراً من النساء (بغض النظر عن الثقافة أو الدين) لا يملن إلى الإبلاغ عن تعرضهن للاغتصاب خشية التعرض إلى الوصم أو الشعور بالخجل والإحراج”.
أكملت نيفين شبانة لتوها روايتها الثانية بعنوان “نجوم من نار”، وهي رواية متعددة الأجيال تدور أحداثها في مصر وتروى من خلالها قصص ثلاث نساء شرق أوسطيات بوجهات نظر مختلفة.
ريا الجادر