“كتابيانا”.. تجربة كندية عربية رائدة لنشر الكتب المخصصة
بجهود نساء يوظفن التقنية في صناعة كتاب الطفل
تعد “كتابيانا للنشر” التي تأسست في مدينة بيرلينجتون بمقاطعة أونتاريو الكندية في مارس 2022، نموذجاً ناجحاً – رغم حداثته – لتجربة المرأة العربية في قطاع النشر، ليس لفرادته من حيث الفكرة، حيث يستند المشروع إلى نشر القصص المخصصة أي تلك التي يمكن فيها للطفل اختيار اسم بطل القصة وملامحه وخصائصه وتغييرها حسب الطلب، وإنما كذلك لكون فريق العمل بأكمله من السيدات، من الكاتبات المحترفات، والرسامات المبدعات، والمصممات الخبيرات، واللواتي يجمعهن الشغف بما يقمن به، والأهم أنهن تمكّن من توظيف دراستهن وعملهن في مجال التقنية والتصميم، في صناعة كتاب الطفل، وتقديم منتج ثقافي قادر على جذب الأطفال إلى القراءة، وغرس القيم الإيجابية في نفوسهم ليكونوا أفراداً صالحين، تنهض على أيديهم المجتمعات وتتطور الدول.
بدأت فكرة إنشاء “كتابيانا للنشر” على يد سيدة وجدة فلسطينية الأصل، كندية الجنسية، لديها العديد من الأحفاد. درست أمل الصادق التكنولوجيا في جامعة يورك، التي تعد ثالث أكبر جامعة في كندا من حيث عدد الطلاب، وشعرت وهي على مقاعد الدراسة الجامعية بقسوة الاغتراب وبُعد المسافات عن الوطن، وأدركت بعد أن ربت أولادها وأحفادها على القيم العربية والإسلامية، أهمية البقاء على تواصل مع لغتهم وهويتهم العربية من خلال الكتاب، باعتباره الوسيلة التي يمكن أن تنقل عبره مشاعرها الدافئة وتراث مجتمعها الأصيل إلى قلوب الأحفاد كما نقلتها قبل ذلك إلى قلوب الأبناء، كي يظلوا يشعرون بالعز والفخر تجاه لغتهم وأصولهم العربية.
قامت أمل بتكوين فريق عمل من نساء متخصصات ورائدات في مجالاتهن، وعلى علم غزير ومستوى متقدم من الإبداع والتنافسية، للعمل في مشروعها، الذي يعد من المشاريع العربية السباقة في توظيف التكنولوجيا لخدمة النشر، والاستفادة من أدوات التقنية لإصدار كتب مبتكرة، وهو ما تحقق من خلال فريق متعدد المهارات يعمل مع بعضه البعض على اختيار فكرة القصة، وربطها بالمفاهيم والقيم، مروراً بالكتابة والتأليف، ومن ثم التدقيق اللغوي، قبل البدء بمرحلة الرسم والإخراج الفني، مع إتاحة الفرصة أمام الطفل وذويه لاختيار اسم شخصية القصة وتفاصيلها، ومن ثم يتم طباعة القصة المخصصة وإرسالها بالبريد إلى أي مكان حول العالم.
لعل أكثر ما يميّز فريق “كتابيانا للنشر” هو الجهد الجماعي للسيدات اللواتي يقفن خلفه، حيث نجحن في ابتكار “محرّك إلكتروني ذكي ومعقد ليتكيّف مع آلاف الاختلافات في كل قصة”، بحيث تُطبع كل قصة بشكل متفرّد، وربما لا توجد قصة متماثلة تماماً مع الأخرى، لأن كل طفل أو شخص قادر على تغيير واختيار عدد لا نهائي من المواصفات التي تميّز شخصيات القصة وتفاصيلها بالإضافة إلى الاسم والإهداء، سواءً في الرسومات أو الألوان، بفضل اعتماد الشركة على تكنولوجيا عالية المستوى لتخصيص الكتب، فيما تحرص الرسّامات على الإبداع في جعل مشاهد القصص تنقل مختلف المشاعر والقيم التي ترغب بترسيخها في القلوب والعقول الصغيرة.
أصدرت الشركة منذ تأسيسها العديد من القصص المميّزة، لعل من أشهرها “من ينقذ العيد؟!” و”صيام وقيام وقرقيعان”، وغيرها من القصص الأصلية التي كتبها فريق من المحترفين، وتعكس قيماً ممتدّة من المجتمعات العربية المختلفة، وتدور أحداثها حول أحداث ومناسبات تحاكي الطفل ذا الأصول العربية في بيئات مألوفة له، وتعمل على غرس حب القراءة واللغة العربية في قلبه من خلال تحويله إلى بطل قصته الخاصة، بل وتعزز فيه التفكير العميق، وتشعره بالتقدير والثقة بذاته، وتغذي خياله، وكلّ ذلك في بيئة إيجابية تشعره بالرضا، لتسهم في تحويل الأطفال إلى قادة ناشطين، قادرين على إحداث تغيير حقيقي وذلك من خلال توعيتهم على قدرتهم في التأثير على العالم من حولهم.
وبعيداً قليلاً عن عالم النشر الورقي، سبقت أمل الصادق أو “تيتا أمل”، كما يناديها أحفادها السبعة والكثير من أحبائها الأطفال حول العالم، مشروعها للنشر المتخصص بإطلاق بودكاست “حكايات تيتا”، وهي تجربة فريدة في تقديم المحتوى المسموع للأطفال، يفتح أمامهم الباب واسعاً لدخول عالم مشوّق من القصص والمغامرات المتنوعة، والأهم من ذلك أن هذا “البودكاست” هو الذي مهّد الطريق لتأسيس “كتابيانا للنشر”، وأتاح لأمل وفريقها رؤية هذه القصص بأعين الأطفال وسماعها بآذانهم، وبالتالي الاستفادة منهم في تأليف القصص التالية، من خلال فهم عناصر القصة الناجحة من الحبكة والرسومات والأسلوب الكتابي إلى الرسائل والأفكار العامة والغاية من القصة.
تؤمن أمل بأن عطاء الإنسان لا يرتبط بعمره أو مكانه، وأن الكبير ليس في السن، وإنما بالخبرة التي يجب أن ننقلها إلى الأجيال المتعاقبة، وأن نعمل، حسب قدراتنا ومواهبنا واهتماماتنا، كي نترك بصمتنا على الحياة، وأن نكون دائماً قيمة مضافة إليها. وهي تدرك في الوقت ذاته تميّز كل طفل وفرادته، لذلك تمنحه الفرصة للتعبير عن شخصيته وإحساسه والاعتزاز بنفسه والوثوق بها ليتمكن من تجاوز المشاعر السلبية والاعتزاز أكثر بنفسه، مشيرة إلى أن العلاقة بين الأهل والطفل يجب أن تكون فريدة ودائمة، ذلك أن لكل طفل قصته المميّزة كما هي شخصيته المتفرّدة.